طريق الحرير الصيني عبارة عن طريق تجارة قديم بدأ مع الحضارة الصينية القديمة قبل عدة آلاف من السنين قبل الميلاد. وكان يربط الشرق بالغرب. واستمر حتى العصور الوسطى وتعاقبت عليه حضارات عدة. واستفادت منه مختلف شعوب العالم القديم وشعوب العصور الوسطى.
والآن تسعى الصين لإحياء هذا الطريق من خلال مشروع الحزام والطريق. ويحظى هذا المشروع بتأييد دول ومعارضة أخرى. ولذلك فإن أي تغيير سياسي في إحدى الدول التي يمر بها هذا المشروع قد يشكل دفعاً أو انتكاساً له. وهذا ما يحتم دراسة التغيير السياسي الذي طرأ في باكستان من خلال إسقاط حكومة عمران خان على مستقبل المشروع الصيني.
مشروع الحزام والطريق الذي أُطلق لأول مرة عام 2013م مشروع اقتصادي تنموي. وإن كان له أبعاد سياسية واستراتيجية. هدفه المعلن إعادة إحياء طريق الحرير القديم. وإعادة الربط الفعّال بين دول وقارات العالم. وهدفه الخفي تعزيز نفوذ الصين السياسي والاقتصادي على مستوى العالم.
يمر المشروع الصيني عبر عدة دول تشمل ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا ثم سيريلانكا وجنوب الهند والمالديف. ثم الانتقال للجانب الإفريقي بالصومال وتنزانيا وإثيوبيا. ثم شمالاً عبر البحر الأحمر لموانئ السعودية ومصر وعبر قناة السويس والموانئ الليبية ينتقل إلى إيطاليا وأوروبا. إضافة لمروره في آسيا الوسطى والشرق الأوسط.
رصدت الصين 900 مليار دولار لتنفيذ مشروعها. في خطوة قد تفتتح مرحلة جديدة من العولمة وعصراً ذهبياً للتجارة يستفيد منه الجميع. من خلال خطة الطريق سوف تقرض بكين 8 تريليونات دولار للبنية التحتية في 68 دولة. وهذا يعني الوصول إلى 65% من سكان العالم وثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
انضمت للمشروع حتى الآن 145 دولة من خلال 200 مذكرة تفاهم. بما في ذلك دول في أوروبا وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط التي تركز بشكل أساسي على البنية التحتية الأساسية. مثل النقل عبر السكك الحديدية والطرق البرية والموانئ لتسهيل التجارة العالمية.
كما يمثل المشروع تغييراً للنظام العالمي لمصلحة الصين. من خلال سيطرتها غير المباشرة على سلاسل التوريد. وسيطرتها على اقتصادات دول عديدة وربطها بالاقتصاد الصيني. كما تطمح لمنافسة الولايات المتحدة المسيطرة أمنياً وعسكرياً وسياسياً على العالم.
بالطبع من خلال السيطرة الاقتصادية قد تتمكن الصين من تحقيق منافسة حقيقية وفعالة لمكانة الولايات المتحدة الأمريكية. كما أنه من الممكن أن تكسب الصين ولاء العديد من الدول. لا سيما أن 62 دولة ستشهد استثمارات تصل إلى 500 مليار دولار أمريكي على مدى السنوات الخمس المقبلة.
جدير بالذكر أن معظم هذه الاستثمارات سيتم توجيهها إلى الهند وروسيا وإندونيسيا وإيران ومصر والفلبين وباكستان. بالإضافة إلى كازاخستان وميانمار. كما سيتم تنفيذ مشاريع الطرق والبنية التحتية في إثيوبيا وكينيا ولاوس وتايلاند.
جاءت ردود الأفعال من بقية دول العالم متباينة حول المشروع الصيني. حيث أعربت العديد من الدول عن شكوكها بشأن النوايا الجيوسياسية الحقيقية للصين. وتعد الهند من المنتقدين الرئيسيين للمشروع الصيني. حيث يمر عبر الجزء الذي تطالب به الهند من كشمير.
كما تعارض الطريق دول شرق آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية. بالإضافة لمجموعة الدول الصناعية الكبرى. ويرى بعض الدبلوماسيين الغربيين أن الطريق عبارة عن انتزاع للأرض يهدف لتعزيز نفوذ الصين دون إفادة باقي الدول. فيراه البعض سياسة داخلية لها عواقب جغرافية استراتيجية خارجية.
من جهة أخرى فإن الدول التي ترحّب بالطريق نجدها في نفس الوقت حذرة من سخاء الإنفاق الصيني. حيث إن نفوذ الصين المتزايد هو مصدر قلق للدول التي لا تتوافق مصالحها السياسية دائماً مع مصالح بكين.
كما واجهت مشاريع السكك الحديدية تحت مظلة الطريق مشكلات في بعض الدول الآسيوية. حيث عانى الخط الذي يربط بين تايلاند ولاوس بسبب التأخير في التمويل. في حين قام رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد بإلغاء خط سكة حديد الساحل الشرقي الذي تموّله الصين وتبلغ قيمته 20 مليار دولار.
يعد رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان من الشخصيات السياسية الباكستانية التي تسعى لتغيير الاتجاه السياسي والاقتصادي لباكستان. فهو ضد التبعية الباكستانية للولايات المتحدة. وخلال سنوات حكمه أبدى قربه السياسي من المعسكر الشرقي لا سيما الصين وروسيا. فهو يرغب بسياسة باكستانية مستقلة دون رهن اقتصاد البلاد للغرب ولا للشرق. بل يطمح لعلاقة ندية تهتم بمصالح البلاد فقط.
تعتمد الصين بشكل واضح على عمران خان في إنجاح مشروع الحزام والطريق. لا سيما أن الهند العدو اللدود لباكستان تعارض المشروع. فالدعم الباكستاني كان بالغ الأهمية كون المشروع يملك ممرات استراتيجية في باكستان. لذلك وبعد إسقاط حكومة خان فإنه أدلى بتصريحات تتهم الولايات المتحدة بتدبير مؤامرة داخلية لإسقاطه. وعلى الرغم من وجود أسباب عديدة داخلية وخارجية لإسقاط خان إلا أنه لا يمكن إغفال دور صراع المحاور الدولية في إسقاطه.
يراهن خان على قدرته على العودة إلى الحكم في البلاد. وهنا قد يكون يعتمد على الدعم الصيني غير المباشر. وفي ذات الوقت تسعى الولايات المتحدة لدعم شخصيات موالية لها. فمشروع الحزام والطريق أثّر بشكل غير مباشر على الحياة السياسية الداخلية في باكستان. ومن غير المستبعد أن يترك آثاره السياسية أيضاً في دول أخرى. فهو يشكل نقطة خلاف مهمة بين الدول الكبرى. وعلى ما يبدو فإن الدول الأخرى قد تدفع فاتورة الخلاف بين هذه القوى الكبرى.