تتحرك مؤشرات الاقتصاد العالمي وفقاً لمعطيات الحرب الروسية الأوكرانية. ففي ظل هذا التوتر غير المسبوق الذي يهدد السلم العالمي تعد أخبار الحرب هي القائد الفعلي للمؤشرات الاقتصادية. فعقب الإعلان عن بدء العملية العسكرية الروسية ارتفع الذهب 2.6% ليصل إلى 1948 دولاراً، كما تجاوز سعر البرميل 130 دولار في أعلى مستوياته.
وفي تركيا انخفضت الليرة إلى 14.2 ليرة مقابل الدولار، ليُطرح السؤال هنا: ما أثر مجريات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد التركي والعالمي؟
أدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع حاد في أسعار الطاقة حيث تعتمد تركيا على الواردات. وتنفق الدولة في المتوسط 45 مليار دولار على واردات النفط الخام والمكرر والفحم والغاز الطبيعي. ومع تجاوز سعر النفط لأكثر من 100 دولار للبرميل فقد ترتفع فاتورة الطاقة إلى 65-75 مليار دولار.
لا يؤثر الصراع في أوكرانيا على واردات الطاقة لتركيا فحسب. بل يؤثر أيضًا على صادرات السلع والخدمات. فبسبب الحرب تم إغلاق الموانئ الرئيسية وحركة الطيران في أوكرانيا. في وقت تبلغ فيه إجمالي صادرات تركيا لأوكرانيا 2.9 مليار دولار. كما سيختفي 2.1 مليون سائح أوكراني زاروا تركيا العام الماضي.
في المقابل تعد روسيا أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لتركيا. ومن المؤكد أن الميزان التجاري لصالح الأولى بسبب مبيعات الغاز الطبيعي. لكن من جهة أخرى تصل الصادرات التركية السنوية لموسكو إلى 5.8 مليار دولار من التجارة مع روسيا. وهذا الرقم خسرته أنقرة بلا شك.
من المتوقع أن تضرب العقوبات المالية والتجارية روسيا بشدة. مما يؤدي لزيادة كبيرة في مستويات الفقر وصعوبات في سداد مدفوعات الواردات من تركيا. أضف إلى ذلك انخفاض معدلات السياحة الروسية إلى تركيا. وبعد توقعات بوصول 10 ملايين سائح روسي لتركيا هذا العام. وزيارة 4.7 مليون سائح هذا العام باتت الخسائر المتوقعة 5 مليارات دولار.
في الحقيقة يظل الموقف التركي المحايد من العقوبات الروسية أمر لا مفر منه. فهي رفضت الانضمام للدول التي عاقبت روسيا مثل الولايات المتحدة وبريطانيا بسبب حاجتها للغاز الروسي. كما أنها تنفّذ اتفاقية مونترو لمرور السفن البحرية الروسية. ولكن هذا لا يعني قدرتها على تجاوز العقوبات الغربية. حيث سيؤدي ذلك إلى عواقب سياسية وخيمة.
من ناحية أخرى لا تستطيع إدانة الحرب. لأن شركة الطاقة النووية الحكومية الروسية هي المُستثمر الرئيسي لمحطة أكويو للطاقة النووية في تركيا. صحيح أن روسيا ستواجه صعوبة في تمويل المشروع. لكن هذا الأمر لن يجعل تركيا تخرج عن موقفها المحايد. خشية التأثير على سلاسل التوريد مع روسيا واستقرارها المالي الأوسع.
أما على المستوى الداخلي في تركيا فقد جاءت الحرب في أسوأ الأوقات بالنسبة للاقتصاد التركي. الذي يسعى للنهوض بإجراءات غير اعتيادية تعتمد على زيادة الإنتاج والتصدير. لكن الحرب أجهضت هذه الخطة في مهدها. ومن المتوقع تحقيق خسائر تتراوح بين 20 و 40 مليار دولار. ومع طول مدة الحرب من المرجح أن يصل معدل التضخم إلى 70٪.
بعد الإعلان الأمريكي والأوروبي بأنه لا وجود لنية للاصطدام مع روسيا عسكرياً في أوكرانيا شهدت الأسواق العالمية نوعاً من الاستقرار النسبي. وذلك بعد تراجع التوقعات بانتشار الحرب إلى عموم أوروبا. فعاد الذهب إلى 1888 دولاراً. وسعر البرميل إلى مستويات 100 دولار للبرميل الواحد.