تشهد الليرة السورية مؤخراً تراجعاً مستمراً وبوتيرة ثابتة. تجاوزت 6000 ليرة للدولار الواحد. وهذا التدهور الجديد يعد حلقةً ضمن سلسلة طويلة من تراجع القيمة تعاني منه الليرة السورية منذ أكثر من عقد. والتدهور الجديد الحالي يعود لجملة أسباب داخلية وأخرى خارجية.
في الحقيقة تتعلق الأسباب الداخلية لتراجع قيمة الليرة السورية بزيادة الطلب على الدولار. وزيادة عرض الليرة في السوق. وزيادة الطلب على الدولار ناتجة عن الحاجة لاستيراد كميات إضافية من الوقود بسبب الانقطاع شبه التام للكهرباء. مما أدى لزيادة الاعتماد على الوقود كحامل رئيس للطاقة. واستيراد الوقود يؤدي لزيادة حادة في الطلب على الدولار.
أما زيادة عرض الليرة فهو يعود لعدة عوامل. منها المبالغة بالاعتماد على التمويل بالعجز. من خلال استمرار طباعة الليرة السورية دون وجود رصيد إنتاجي مواز. وهذا ما أدى لإغراق السوق بالليرة.
كما أن الجهاز المصرفي السوري فقد فاعليته بشكل تام. فغالبية العملة السورية خارج المصارف. وتقدر كمية النقود خارج الجهاز المصرفي بأكثر من 20 ألف مليار ليرة. وهو رقم هائل بالنسبة للاقتصاد السوري. وهذا الرقم الضخم خارج الجهاز المصرفي وخارج العملية الإنتاجية يتجه للمضاربة عند أي هزة بقيمة الليرة. وهو المسؤول عن استمرار التراجع.
أما الأسباب الخارجية فهي تشمل محورين. الأول سببه القصف التركي لمحطات النفط والغاز في مناطق قسد. وهي التي كانت تزود مناطق النظام بجزء من احتياجاتها من النفط والغاز. وبالتالي حدثت أزمة وقود خانقة في البلد أدت لتعطل جديد وإضافي في أدوات الإنتاج. ودخول البلد بحالة شبه جمود. وهو ما أدى لارتفاع المخاوف من انهيار اقتصادي. وبالتالي ارتفع معدل الدولرة. أي استبدال الليرة بالدولار.
المحور الثاني من الأسباب الخارجية يتعلق بقلة الدعم المقدم من حلفاء النظام إيران وروسيا. وضعف الدعم يعود لأزمة الحلفاء الاقتصادية من جهة. ورغبةً في الضغط على النظام من جهة أخرى. لا سيما أن هناك تقارير صحفية تقول بأن النظام غير متجاوب مع حلول سياسية تطرحها روسيا.
أما فيما يتعلق بتأثير تدهور قيمة الليرة على حياة السوريين في مناطق سيطرة النظام فقد أدت إلى ارتفاع الأسعار بشدة. إضافةً لتسببها في شح المواد الأساسية في السوق. نتيجة عزوف العديد من التجار عن البيع بدافع الاحتكار والسعي لتحقيق مكاسب استثنائية.
في النهاية إن مستقبل الليرة السورية ليس جيداً. فمن المتوقع الاستمرار بالتراجع وفق ذات المعدل. حتى الوصول لسعر توازني جديد. ولكن وبعد الوصول للسعر التوازني من المتوقع أن تستقر الليرة عند قيمة محددة مدة عدة أشهر على أن تعود للتدهور لتستقر عند سعر توازني جديد أدنى. وهكذا باستمرار حتى إيجاد حل للقضية السورية. وهو أمر مستبعد على الأقل في المدى المنظور.