مشروع القرار الأوروبي بتمديد سقف أسعار الغاز يعد دلالةً على خشية الاتحاد الأوروبي من توترات دولية متصاعدة قد تؤثر على تدفق واردات الغاز. كما يعد إشارةً إلى بعد التوصل لتسويات للأزمات الدولية الكبرى وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا والحرب على غزة. والخشية من تحول الحرب على غزة إلى صراع دولي.
في بداية العام الجاري وبالتحديد في 15 فبراير 2023م. بدأت أوروبا في فرض ما يطلق عليه سقف سعر للغاز الطبيعي ولمدة عام كامل. والذي دخل حيز التنفيذ في فبراير/ شباط الفائت. وذلك عند 180 يورو للميغا واط الساعي.
يقصد بسقف سعر الغاز فرض سعر أقل من السعر الذي تحدده قوى العرض والطلب في السوق. وهدف القرار إلى تخفيض عوائد روسيا من الغاز الطبيعي كإحدى العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو بعد غزو أوكرانيا. حيث تشكل عائدات النفط والغاز 40% من الميزانية الروسية. وهو ما يمثل تحدياً لخطط روسيا في توسيع الحرب وزيادة تمويلها.
يدرس الاتحاد الأوروبي تمديد القرار لأنه لم يكن له أي آثار سلبية على دول الاتحاد الأوروبي. كما أن تخزين الاتحاد الأوروبي للغاز يبلغ حالياً أكثر من 97%. ولا يزال استهلاك الغاز أقل من المستويات المسجلة في عام 2022م. علاوةً على ذلك هناك إمكانية لزيادة واردات الغاز من الولايات المتحدة.
السبب الرئيس في مشروع القرار الأوروبي هو المخاوف من عودة أسعار الغاز للارتفاع مجدداً. خاصةً في ظل الحرب على قطاع غزة. فعلى الرغم من كون واردات الغاز من إسرائيل ليست كبيرةً جداً إلا أن احتمالات اتساع الحرب قد تهدد واردات الغاز على المستوى العالمي. لا سيما الواردات من قطر في حال دخلت إيران الحرب.
ومن شأن توسع الصراع زيادة المخاوف بشأن أمن البنية التحتية التي تربط موردي الغاز في شمال إفريقيا بأوروبا. مما يزيد من حالة عدم اليقين والتقلبات في سوق الغاز الطبيعي المحدود بالفعل. فضلاً عن زيادة المخاوف من أن الصراع في الشرق الأوسط وأعمال التخريب في خطوط أنابيب نقل الغاز ببحر البلطيق قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى هذا الشتاء.
بخلاف الحرب على غزة قد تتأثر إمدادات الغاز أيضاً بسبب أعمال التخريب للبنية التحتية. وقد تعرض خط أنابيب الغاز في بحر البلطيق للتخريب في وقت سابق من هذا الشهر. حيث أبلغت فنلندا وإستونيا عن تسرب لخط الأنابيب الذي يبلغ طوله 77 كيلو متراً بين البلدين. والذي افتتح عام 2020م.
وهو ما ينذر بأسعار قياسية للغاز. حيث وصل سعره في ذروة أزمة الطاقة التي نتجت عن قطع موسكو إمدادات الغاز إلى أوروبا في أعقاب غزوها لأوكرانيا عام 2022م إلى أكثر من 300 يورو لكل ميجاوات ساعي.
يعني قرار التمديد استمرار المخاوف السابقة من تأمين الإمدادات لأوروبا بأقل من المطلوب. لأن الموردين -بخلاف روسيا- قد يبيعون غازهم في أسواق أخرى. وبالتحديد في آسيا. حيث يمكنهم تحقيق أسعار أعلى.
وكذلك يعني القرار تراجع واردات الغاز الروسي إلى أوروبا. ما يفرض أعباء ثقيلة على المستهلكين وإمدادات الغاز على المدى المنظور. كما أن القرار وفي ظل الظروف الجيوسياسية الجديدة من شأنه أن يؤدي إلى تقليل الاستثمار في صناعة الغاز على المستوى العالمي.
في الواقع قد تبدو الأرقام والمؤشرات التي اعتمد عليها الاتحاد الأوروبي في مشروع قراره بتمديد السقف السعري للغاز منطقية ومقبولة. لكن المستقبل “القريب” يحمل بين طياته الكثير من المعطيات الجديدة. والتي قد تؤثر سلباً على الاقتصاد الأوروبي والعالمي. وهذا مرهون بتطور الأوضاع الدولية الراهنة.