شهدت الليرة السورية خلال الفترة السابقة استقراراً واضحاً. فخلال أكثر من شهرين حافظت على سعر صرف يتراوح بين 3100 – 3300 ليرة للدولار الواحد. وبمراجعة تاريخ الليرة في السنوات القليلة الماضية نجد أن التذبذب والتدهور هما السمة الرئيسة لها. ما أسباب ودلالات ثبات سعر صرف الليرة السورية؟
ما أثر قوانين السوق وقوى السياسة على الليرة السورية؟
في الحقيقة يمكن اعتبار الاقتصاد والسياسة في سوريا -لا سيما في ظل حكومة النظام- أمراً واحداً. فالمسؤولون الاقتصاديون يتمتعون بهامش حرية متدنٍّ للغاية فيما يتعلق باتخاذ القرار الاقتصادي. فالمعيار الذي يحكم نجاح القرار من عدمه هو انعكاسه على الطبقة السياسية الحاكمة.
إن فهم آلية اتخاذ القرار الاقتصادي في حكومة النظام يعتبر خطوة أولى ومهمة حول فهم وتوقع الأحداث الاقتصادية في البلاد. فالأوضاع الاقتصادية قبل عدة أشهر كانت تشي بانهيار كامل متوقع لاقتصاد النظام. فما الذي أدى لهذا الاستقرار النسبي في قيمة الليرة السورية؟
يعتبر الاستحقاق الرئاسي في حكومة النظام والذي تم إجراء انتخاباته قبل فترة وجيزة من العوامل المهمة التي أدت لاستقرار قيمة الليرة. فمعدلات الفقر المرتفعة وشح المواد الأساسية في الأسواق أدى لظهور أصوات مناهضة لحكومة النظام حتى ضمن الشريحة الموالية له. ولهذا كان لا بد من تقديم بعض الدعم الاقتصادي في سبيل امتصاص هذا التذمر الشعبي.
إن مستقبل النظام السياسي يرتبط بشكل وثيق ومباشر بمستقبل بعض الفئات الداعمة له محلياً. لا سيما طبقة أثرياء الحرب. فهؤلاء يدركون أن سقوط النظام هو سقوط لهم. لذلك قاموا بدعم النظام اقتصادياً من خلال ضخ الدولار بالسوق بهدف الحفاظ على استقرار نسبي لليرة السورية. كما أن حلفاء الخارج قاموا بدعم الليرة أيضاً.
يمكن القول بأن السعر التوازني الذي استقرت عنده الليرة السورية هو سعر مثبت بالقوة السياسية من خلال أذرعها الاقتصادية. لذلك لا يمكن القول بأن هذا السعر هو نتيجة تفاعل قوى الاقتصاد في السوق. فالسعر الذي سيكون لليرة في حال تم تحديدها بقوى العرض والطلب سيتجاوز 4,000 ليرة حكماً. فالسعر الحالي هو سعر قسري وليس سعراً توازنياً.
ما آثار ثبات الليرة على اقتصاد السوريين؟
مما لا شك به أن ثبات قيمة أي عملة يعتبر حالة اقتصادية إيجابية. وبالتأكيد أثرت على اقتصاد السوريين. إلا أنه أثر محدود بالكاد يمكن ملاحظته. فهذا الثبات -وكما أسلفنا- هو قرار سياسي أكثر منه سعر توازني. لذلك يمكن وصفه بالسعر الشكلي. لا سيما في ظل التدهور المتسارع للواقع المعيشي لجميع السوريين.
يمكن لمتتبع الشأن الاقتصادي السوري أن يلاحظ وبوضوح التراجع السريع والمطرد في مستوى المعيشة وفي معدلات الفقر. فعلى الرغم من ثبات سعر صرف الليرة السورية إلا أن أسعار المواد الغذائية ما زالت ترتفع باستمرار. ناهيك عن عدم قدرة حكومة النظام على توفير غالبية هذه المواد كالخبز والزيوت النباتية والمحروقات وغيرها. وذلك بسبب هدر الدولار في تثبيت سعر الصرف.
في الحقيقة إن تثبيت سعر الصرف قسرياً أدى لهدر الدولار. وهو ما سبّب دخول حكومة النظام في عجز مالي. ولمعالجة هذا العجز من المتوقع أن يتم اللجوء لرفع أسعار بعض المواد الرئيسة كالسكر والخبز والمحروقات وذلك لتمويل الموازنة. وهذا الأمر في حال حدوثه يُنذر بتفاقم الفقر والجوع وهو ما يهدّد بكارثة إنسانية حقيقية.
لجوء حكومة النظام لتثبيت سعر صرف الليرة بهدف إقناع المؤيدين والحلفاء بأن اقتصاد النظام جيد وأنه متحكم بالسوق أعطى نتائج سلبية. تتمثل بهدر العملة الصعبة إضافة لتأثيره المباشر والسلبي على الواقع المعيشي للسوريين.
ما مستقبل سعر صرف الليرة؟
يرتبط مستقبل الليرة السورية بإجراءات حكومة النظام. فهي ستستمر مستقرة ما دام الدعم بالدولار مستمراً. وإن كان هذا الدَّعم لا يمكن أن يستمر لأكثر من عدَّة أشهر؛ وذلك نظراً لأن الداعمين لا يمكنهم الاستمرار بضخّ الدولار في السّوق إلى ما لا نهاية.
في النهاية من المتوقع أن تشهد الليرة السورية تراجعاً في الأشهر القليلة القادمة. هذا إن لم يحدث أي اختراق سياسي في المفاوضات السياسية في مؤتمر أستانة. وهو أمر مستبعد فكل المؤشرات تشير إلى عدم القدرة على إحداث أي خرق حقيقي. وهو ما يقود للاستنتاج بأن مستقبل الليرة لا يبشّر بالخير. وبالتالي فإن الفقر والجوع سيبقى ملازماً للسوريين على الأقل في المرحلة الحالية.