تشكل معدلات التضخم العالمية المرتفعة تهديداً واضحاً لاقتصادات الدول المتقدمة والنامية. وتعزز هذا التهديد في ظل التداعيات الاقتصادية للحرب الأوكرانية. ولمواجهة هذا التهديد قامت العديد من الدول ومنها مصر برفع سعر الفائدة كأحد الحلول التقليدية لكبح جماح التضخم. وهو ما قد يساهم في الحد من التضخم إلا أنه قد يسبب مشاكل اقتصادية أخرى. والسؤال هنا: ما أسباب ونتائج رفع سعر الفائدة في البنك المركزي المصري؟
قامت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً برفع سعر الفائدة بمقدار ربع درجة ما يعادل 0.25%. وهو ما أدى بشكل غير مباشر إلى رفع سعر الفائدة المصري بمقدار 1%. والذي بدوره ترك أثراً مباشراً على قيمة الجنيه المصري. والذي انخفضت قيمته لتصل إلى 18.20 جنيه للدولار الواحد. كما ارتفع سعر الذهب ليصل إلى 950 جنيهاً للجرام الواحد.
إن رفع قيمة سعر الفائدة الأمريكي سيسبب وبشكل مباشر زيادة فوائد الديون المصرية المقوّمة بالدولار. وهو ما عجّل بقرار رفع سعر الفائدة في مصر. وذلك قبل ثلاثة أيام من موعد اجتماع لجنة سياسات البنك المركزي المصري والتي كان مقرراً لها الخميس المقبل.
يعاني الاقتصاد المصري من معدل تضخم مرتفع نسبياً. فالتضخم في فبراير الماضي بلغ 10% على أساس سنوي و2% على أساس شهري. وتعود أسباب ارتفاع التضخم لارتفاع فاتورة الاستيراد نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية. وبسبب التضخم العالمي إضافة لارتفاع معدل الطلب أكثر من ارتفاع معدل العرض في السوق المصرية.
يحاول الفيدرالي الأمريكي ومن خلفه المركزي المصري العمل على كبح جماح التضخم من خلال رفع سعر الفائدة. عن طريق الضغط على الطلب المرتفع. كون معدل العرض لا يمكن التأثير به بسهولة في ظل الظروف الدولية الراهنة. وهو ما قد يسبب تراجعاً في معدل النمو الاقتصادي.
من جهة أخرى فإن من أسباب رفع سعر الفائدة أيضاً خروج المستثمرين الأجانب من السوق والبورصة المصرية. علاوة على تراجع رصيد المركزي المصري من العملات الأجنبية. والتي وصلت إلى مستويات متدنية للغاية. ومع رفع سعر الفائدة وارتفاع سعر الدولار لمستويات تلامس 19 جنيهاً من المتوقع عودة جزء من الأرصدة الأجنبية المقوّمة بالدولار.
في الحقيقة إن رفع سعر الفائدة المصرية سيسبب تراجعاً في قيمة الجنيه المصري. وبالتالي ارتفاعاً في قيمة فاتورة الاستيراد. وهو ما قد يضع الحكومة المصرية أمام سيناريوهات صعبة. ومنها مواجهة انكماش اقتصادي محتمل نتيجة الضغط على الطلب ونتيجة ارتفاع الأسعار.
في المقابل فإن رفع سعر الفائدة يؤدي لخفض معدلات الإنفاق وزيادة معدلات الادخار. وهو ما يعني تخفيض الطلب الكلي في السوق المصرية. كما أن الفائدة المرتفعة ستساهم في تعزيز الأموال الساخنة القادمة من الخارج للاستثمار في أذون الخزانة المصرية بأسعار عالية. وهو ما قد يساهم بشكل غير مباشر في دعم قيمة الجنيه ولكن على المدى الطويل وليس في المدى المنظور.
كما رافق صدور قرار رفع أسعار الفائدة إصدار البنوك المصرية شهادات ادخار بفائدة 18% لمدة عام. وهي إشارة واضحة على رغبة الحكومة في تجفيف السيولة في الأسواق. وبالتالي خفض معدلات الطلب من جهة. واعتمادها على الدين الداخلي من جهة أخرى لحل مشكلات الموازنة المقبلة المتوقعة. ومشكلة زيادة العجز الكلي.
فيما يتعلق بالمستقبل القريب للجنيه المصري تشير المؤشرات الاقتصادية الداخلية والخارجية إلى أنه قد يستمر بالتراجع وإن كان بمعدل بسيط. وذلك لأن إصدار شهادات ادخار في البنوك بنسبة 18% قد يكبح مستوى الهبوط. وذلك لكونها ستتسبّب في تقليل المعروض النقدي من الجنيه في السوق.