أعلن بنك روسيا المركزي بشكل مفاجئ عن سعر ثابت لشراء الذهب بالروبل. وحدده بخمسة آلاف روبل (80 دولاراً) للجرام الواحد من الذهب. وذلك في محاولة من موسكو للالتفاف على العقوبات الغربية. وتخفيف حدة الخسائر المتوقعة للروبل الروسي ولمختلف المؤشرات الاقتصادية الروسية. وينضوي هذه القرار على مصالح مباشرة للاقتصاد الروسي إلا أن التطبيق الفعلي له سيواجه العديد من العقبات. والسؤال هنا: ما أهداف وتداعيات القرار الروسي ربط الروبل بالذهب؟
في الحقيقة يُعدّ هذا القرار عودةً للقواعد الاقتصادية التي كانت سائدةً في القرن العشرين. والتي كرّستها اتفاقية بريتون وودز عام 1944م. وتم إنهاء العمل بها عام 1971م فيما يُعرَف بصدمة نيكسون عندما تم فك ارتباط الدولار بالذهب.
جاء القرار الروسي ضمن سلسلة قرارات متعددة في هذا الشأن. بدأت بإعلان بوتين أنه لن يقبل سوى الروبل لحصول “الدول غير الصديقة” على الغاز. رافضاً اليورو والدولار الأمريكي. والهدف الرئيس من هذا القرار محاولة ضمان قوة الروبل بجعله أكثر استحساناً في سوق العملات.
وكذلك يأتي القرار في سياق المحاولات طويلة الأمد مِن قِبَل روسيا والصين لإضعاف هيمنة الدولار الأمريكي كعملة أساسية على مستوى العالم. ومن الملاحظ هنا أن الروبل الروسي وبعد خساراته المتتالية في بداية الحرب وبعد فرض العقوبات الغربية على روسيا. إلا أنه تعافَى لحدّ ما بعد فترة. بل وتجاوز مرحلة التعافي ليزداد قوةً بعد الإعلان عن بيع النفط والغاز بالروبل.
مع الإعلان عن ربط الروبل بالذهب واصلت العملة الروسية ارتفاعها لتصل لـ 60 روبل للدولار. وهذا الارتفاع في سعر الروبل أمر منطقي. فإذا كان سعر السوق لجرام الذهب يبلغ حالياً حوالي 60 دولاراً أمريكياً. فهذا قريب جداً من إعلان بوتين أن جراماً واحداً من الذهب يساوي 5000 روبل روسي. ممَّا يؤدّي لإنشاء سعر صرف قائم على الذهب يعتمد على سعر 60 روبل روسي مقابل الدولار الأمريكي.
ومن جهة أخرى يسعى القرار لتهدئة السوق الداخلي الروسي. بحيث يتمّ التخفيف من موجة تحويل الروبل إلى دولار. بحيث يضمن الروس حفاظ مُدّخراتهم على قيمتها الحقيقية. كما يهدف القرار إلى محاولة استقطاب الذهب الأوروبي. كون الدول الأوروبية مضطرة لشراء الروبل لاستخدامه في سداد فاتورة الغاز المستورد.
يعني هذا القرار أنه يتعين على روسيا أن تكون على استعداد لاستبدال الذهب بالروبل مع أي شخص يريد ذلك في أي وقت. وهو ما يعني أن رصيدها من الذهب قد ينفد. كما أن الدول الغربية في حال قررت شراء الروبل بالذهب لن تتمكّن بسبب حظر تصدير الذهب لروسيا.
كما أنه في حالات الحروب تكون الأسواق عُرضةً للمُبالَغة في ردّ الفعل تجاه التطورات الجديدة. لا سيما على المدى القصير. وفي الحالة الروسية إذا تراجعت الثقة في الروبل مرة أخرى فبناءً على القرار الروسي قد يقرّر العديد من المستثمرين استبدال الروبل بالذهب. مما يعني خسارة البنك المركزي الروسي لأصوله الذهبية. وهو الأمر الذي قد يكون مزعزعاً للغاية لاستقرار موسكو.
كما ترتبط فائدة حفاظ روسيا على معدل ثابت للروبل للذهب ارتباطاً وثيقاً بحالة الطلب على الغاز الروسي. فإن لم يستطع الغرب تقليل اعتماده على النفط والغاز الروسيين فإن الطلب على الروبل سيساعد في الحفاظ على دعم العملة الروسية. خاصةً إذا وافقت الدول الأوروبية على الدفع بالروبل.
لكن إذا توقّف الغرب عن استيراد الغاز والنفط الروسيين فقد ينخفض الروبل بشكل كبير. وقد يبدأ المستثمرون في سحب الذهب. وهو ما يُضعِف الاقتصاد الروسيّ بأكمله. وهذا ما قد يضع الاقتصاد الروسي في أزمة داخلية قد تفوق تبعاتها تبعات العقوبات الغربية.
في النهاية يمكن النظر للقرار الروسي بربط الروبل بالذهب على أنه قرار سياسيّ وإعلاميّ أكثر من كونه اقتصادياً. لأن تطبيقه على أرض الواقع دونه عقبات عدَّة. فهو قرار استعراضيّ وتهدئة للشارع الروسي. لذلك من المستبعَد أن يتم استبدال الروبل الروسيّ بالذهب على مستوى واسع. فموسكو لن تغامر بالتضحية برصيدها من الذهب.