يعد مفهوم القيمة الزمنية للنقود من المفاهيم الرئيسة في الاقتصاد. وتكتسب القيمة الزمنية للنقود أهميتها من كونها تؤثر على مختلف المستويات الاقتصادية. وينسحب تأثيرها على الأفراد. وتعد عاملاً حاسماً في تحديد الجدوى الاقتصادية للمشروعات.
في الحقيقة يتمحور مفهوم القيمة الزمنية للنقود على فكرة أن للنقود قيمةً متغيرةً. فهي تتغير مع الزمن. فقيمة مبلغ ما في هذه اللحظة لن تكون ذاتها في المستقبل. وكلما امتد الزمن انخفضت قيمتها. فقيمة المبلغ بعد عام ستختلف عن قيمته بعد عامين وهكذا.
من جهة أخرى يعود تغير قيمة النقود مع الزمن لعدة أسباب. أهمها التضخم. فالتضخم يؤدي لتراجع القيمة الشرائية للنقود. فما تستطيع شراءه بـ 1,000 دولار اليوم. قد يكون أكثر مما تستطيع شراءه بذات المبلغ بعد عام. فالحصول على مبلغ اليوم أفضل من الحصول عليه بعد عام.
لا شك أن معدل الفائدة يعد عاملاً رئيساً في مفهوم القيمة الزمنية للنقود. كما أن قيمة النقود قد تتغير مع الزمن تبعاً للاستثمار. فالأمر الطبيعي أن تكون النقود في الاستثمار. فالمبلغ الحالي ستكون قيمته أعلى بعد عام نتيجة استثماره.
ضمن مفهوم القيمة الزمنية للنقود توجد مفاهيم فرعية متعددة. هي القيمة الحالية والمستقبلية. فالقيمة المستقبلية للنقود تشير إلى مقدار النقود في المستقبل الذي يساوي المقدار في الوقت الحالي. بمعنى إذا كان لديك 1,000 دولار حالياً. فما هو المبلغ بعد عام والذي قوته الشرائية تعادل القوة الشرائية لـ 1,000 دولار حالياً.
فإذا كان معدل الفائدة في دولة ما 10% فإن 1,000 دولار حالياً ستعادل 1,100 دولار بعد عام. فالقوة الشرائية لـ 1,000 دولار حالياً هي ذاتها لـ 1,100 دولار بعد عام.
القيمة الحالية للنقود يقصد بها كمية النقود في الوقت الحالي والتي قوتها الشرائية تساوي القوة الشرائية لمبلغ ما في المستقبل. فعلى سبيل المثال إذا كان لديك وعد بالحصول على 5,000 دولار بعد عام. فكم تبلغ قيمة هذا المبلغ الآن؟
بالطبع تتأثر القيمة الزمنية للنقود بعاملين رئيسيين. هما: التضخم ومعدل العائد على الاستثمار. فالتضخم يؤدي لتراجع القيمة الحقيقية للنقود مع الزمن. بينما الاستثمار يؤدي لزيادة كمية النقود. فتأثير التضخم والاستثمار على النقود هو تأثير متعاكس.
من هنا يكون الفرد أو المستثمر أمام عدة احتمالات. إما أن يكون العائد على الاستثمار أعلى من التضخم. أو يكون التضخم أعلى من العائد. أو أن يكونا متساويين. وقرار الاستثمار يختلف تبعًا لهذه الاحتمالات.
في حال كان معدل العائد أعلى من معدل التضخم يمكن حينها قبول الاستثمار. وفي حال كان العائد أقل من معدل التضخم حينها يكون الاستثمار خاسراً. أما في حال كان التضخم مساوياً للعائد فعندها لا يتحقق لا ربح ولا خسارة.
قد يظن البعض أنه بمجرد تحقيق عوائد فإن المشروع رابح. وهذا غير دقيق فقد يؤدي التضخم إلى الخسارة وإن كانت غير ظاهرة. فعلى سبيل المثال: إذا تم إيداع 1,000 دولار في البنك بفائدة سنوية 10% ستحقق عائدًا قيمته 100 دولار بعد عام. ولكن إذا كان التضخم 20% ستخسر 200 دولار. والنتيجة أنك كسبت 100 وخسرت 200. فالنتيجة النهائية خاسرة.
يتم قياس الجدوى الاقتصادية للمشاريع من خلال عدة معايير. أهمها القيمة الحالية للنقود. فعلى سبيل المثال: إذا كنت أمام فرصتين استثماريتين. الفرصة (أ) والفرصة (ب). وكلتا الفرصتين تكلفتهما 1,000 دولار. والفرصة (أ) تحقق عائداً قدره 2,000 دولار بعد 3 سنوات. والفرصة (ب) تحقق عائداً قدره 2,100 دولار بعد 4 سنوات.
قد يبدو عائد الفرصة (ب) أعلى من (أ). ولكن هذا ليس بالضرورة أن يعني أن الفرصة (ب) أفضل من الفرصة (أ). فوفقاً لمعيار صافي القيمة الحالية قد تكون الفرصة (أ) أفضل من (ب) على الرغم من أنها أقل منها. وذلك وفقاً لمعيار صافي القيمة الحالية.
من ناحية أخرى تعرف تكلفة الفرصة البديلة بأنها مقدار الأرباح التي يستغنى بها عند تفضيل خيار على آخر. وتقوم فكرتها على مقارنة ما تتم خسارته مع ما يتم كسبه نتيجة القرار. وتختلف طرق قياسها. ولكن الأهم من قياسها هو الوعي بها عند اتخاذ القرار.
تظهر قضية الفرصة البديلة عند وجود عدة خيارات أمام المستثمر. ووفقاً لها فليس بالضرورة أن يكون أي مشروع يحقق عوائد رابحاً. فقد يحقق عوائد ويكون خاسراً.
إذا كان لديك قطعة أرض أقمت عليها مشروعاً بتكلفة 10,000 دولار تديره أنت. ويحقق أرباحاً صافية 1000 دولار سنوياً فالمشروع رابح. ولكن لو لم تقم المشروع ووضعت المبلغ في البنك بفائدة سنوية 10% مقدارها 1,000 دولار. وعملت في مهنة ما بأجر سنوي 400 دولار. وأجرت الأرض مقابل 600 دولار في السنة. فهل المشروع رابح؟
إذا لم تباشر بالمشروع المذكور فإنك ستكسب 2,000 دولار. كونك ستكسب فائدة المبلغ وأجرك السنوي وبدل استئجار الأرض. فعند مباشرتك المشروع ستكون تنازلت عن 2,000 دولار مقابل 1,000 دولار. فالمشروع أصبح خاسراً وخسارته السنوية 1,000 دولار بالرغم من أنه رابح ظاهرياً.
إذا كان لديك 10,000 دولار وكنت أمام خيارين. إما شراء جرار حراثة أو شراء قطعة أرض. والخيار الصائب هنا يتعلق بعدة عوامل. منها العائد المتوقع من الجرار ومن الأرض. ويتعلق فيما إذا كنت ستؤجر الأرض أو الجرار أو ستقوم باستثماره بنفسك.
لتحديد الاستثمار الأفضل لا بد من أخذ عدة عوامل بعين الاعتبار. هي التضخم والعمر الإنتاجي للاستثمار ومعدل العائد والقيمة الزمنية للنقود وتكلفة الفرصة البديلة. فالأمر لا يتعلق بمعيار واحد. لذلك عند دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع يتم دراسة نسب نجاح المشروع من زوايا متعددة.