تُشكِّل #الضَّرائب أحَد المَفاهِيم الاقتِصادية ذَائِعة الصِّيت كَوْنها ذات صِلَة مُباشِرة بالحُكومات والأفْراد والمُنظَّمات، وعلى الرَّغم من شُيوعها فإنّ مَفْهومها العامّ يَكتنِفه بعض الغُموض، فلماذا تُفرَضْ؟ هل لها أنواع؟ هل الجميع مُكلَّف بها؟ هذه الأسئِلة وغيرها نُناقِشها فيما يلي.
تُعتبَر #الضَّرائِب من أَقْدم الأدَوات المَالِيّة والاقتِصاديّة على الإِطْلاق، فلا يُعرَف زَمَن مُحدَّد لظُهورِها، فجَمِيع الحَضارات القَديمة فَرضَتْها، وإن كانت في بِدايتها تُدفَع كمَوادّ عَيْنيّة، وقد شَهِدت في العَصْر الحَديث تطوُّرًا واضِحًا إلّا أنّ التطوُّر الأَبْرز كان على يَدْ #جُون_مِينارد_كِينز عَقِب أَزْمة #الكَساد_الكبير عام 1929.
لم تُدفَع الضَّرائِب في الإسلام بشَكْلها التَّقلِيديّ إلّا في #العَصْر_الأُمَويّ، إلّا أنّ عُمَر رضِي الله عنه فَرَض #الخَرَاج والعُشُور على غير المُسلِمين، وقد شَرَع عَدَدٌ من الصَّحابة الضَّرِيبةَ ومنهم عليّ بن أبي طالِب وعائِشة رضِي الله عنهما استِنادًا لقَوْل رَسُول الله صلّى الله عليه وسلم “إنّ في المَال حقًّا سِوى الزَّكاة” ولكنَّهم وَضُعوا شُرُوطا لفَرْضها.
تَتعدَّد وَظائِف #الضَّرائب فمنها وَظائِف مَاليّة كتَمْويل نفَقَات #الحُكومة، ومنها اقتِصاديّ كالتحكُّم في اتِّجاه #الاقتِصاد ومُعالَجة #الكَسَاد و #التضخُّم، وحِماية المُنتَجات الوَطنِيّة من خِلال الضَّرائب على المُستَوْرَدات، ومنها وَظائِف اجتِماعيّة كإعادَة تَوْزيع #الدَّخْل، وغيرها من الوَظائِف.
تُقسَّم #الضَّرائِب إلى أَنْواع عِدَّة أَهمّها الضَّرائب المُباشِرة وغير المُباشِرة، الأُولَى تُفرَض على الدَّخْل أو الثَّرْوة بحيث تتَناسَب الضَّرِيبة مع الدَّخْل المُحقَّق، والثانِية تُفرَض على الإِنْفاق والتَّداوُل، ويَدفَعها الجَميع بِذات القِيمة بغَضّ النَّظَر عن الوَضْع المَاليّ للمُكلَّف.
تُعتبَر #الضَّرائِب_غير_المُباشِرة فعَّالة من ناحِية تَرشِيد #الاستِهلاك إلّا أَنّها لا تُحقِّق #العَدالة_الاجتِماعيّة كَوْن الغَنيّ والفَقِير يَدفَعها بِذات القِيمة، بينما المُباشِرة تَتميَّز بفاعِليّتها تُجَاه التحكُّم باتِّجاه الاقتِصاد من نَاحِية التَّضخُّم والكَسَاد.
تَحتاج #الضَّرائب_المُباشِرة لجِهاز ضَريبيّ مُتطوِّر لتَحْصيلها ولمُعالَجة #التهرُّب_الضَّريبيّ، بينما لا تَحتاج غير المُباشِرة لهذا التطوُّر، ففَرْضها سَهل للغَاية، كإِلْزام المُتعامِلين بشِراء طَوابِع عند كل إِجْراء رُوتِينيّ، فالطَّوابِع تُمثِّل ضَرِائب غير مُباشِرة.
يَسُود اعتِقاد عامّ بأنّ الدُّوَل الفَقِيرة والنَّامِية تُسرِف في فَرْض #الضَّرائِب، إلّا أنّ الحَقِيقة مُغايِرة لهذا الاعتِقاد، فالدُّول الغَنيّة تَفْرض ضَرائِب تَفُوق بكَثِير ضَرائِب الدُّوَل الفَقِيرة، ولكن بسَبِب ضَعْف #الجِهاز_الضَّريبيّ في الدُّوَل الفَقِيرة يَتمّ الإِسْراف في الضَّرائِب غير المُباشِرة ممّا يَجعَل الحِمْل الضَّريبيّ أكْبر على الشَّرائِح الفَقِيرة.
تُعْتَبر مُساهَمة #الضَّرائِب في الناتِج المَحلِّيّ الإجْماليّ في الدُّوَل المُتقدِّمة أَعْلى من الدُّول النامِيَة، ففي #ألمانيا تُشكِّل الضَّرائِب 11% من الناتج المَحلِّيّ الإجْماليّ وفي #إيطاليا 24% و #السويد 27% و #بريطانيا 25% بَيْنما في #البحرَيْن 4% و #العِراق 2%.
وفيما يَخصّ نِسْبة الضَّريبة من الدَّخْل فَهِي أيضًا مُرتفِعة في الدُّول المُتقدِّمة مُقارَنة بالنامِيَة، ولكنَّها لا تُفرَض إلا فَوْق حدّ مُعيّن من الدَّخْل، ودُونه لا تُفرَض أو تكُون مُتدنِّيَة القِيمة، ففي #السويد وفي شرائِح الدَّخْل العليا تَبْلُغ الضَّرِيبة 46% و #فنلندا 43% و #فرنسا 40% بينما في #لُبنان 13% و #الإمارات 8% و #قطر 5%.
يُعتبَر التهرُّب_الضَّرِيبيّ و #التجنُّب_الضَّرِيبيّ من أكْثَر القضايا تَأْثيرًا على دَوْر الضَّرائِب وفَاعِليتها، ويَختلف #التهرُّب_الضَّريبيّ عن التجنُّب في أنّ الأوَّل يُشكِّل مُخالَفة قانِونية تَستوجِب العُقُوبة كونه يَرْتبط بالتَّلاعُب بالسِّجِلَّات وتَقارِير الأرْباح لتَخفيف #العِبْء_الضَّريبيّ، بَيْنما الثاني يَقوُم على استغلال ثُغُرات #القانُون_الضَّريبيّ لتجنُّب دَفْع الضَّريبة.
فالتجنُّب و #التهرُّب_الضَّريبيّ يؤثِّران سَلْبًا على #النِّظام_الضَّريبيّ إلّا أنّ التهرُّب سَبَبه الفَساد أمّا الثاني سبَبُه القُصور القانُونيّ، وتَلْعب بعض الدُّوَل دَوْرا هامًّا في تَعْزيز التهرُّب الضَّريبيّ من خِلال مُساعَدة الشَّرِكات والأَثْرياء على التهرُّب الضَّريبيّ مُقابِل صفَقات مَشْبوهة ومن أَبْرزها #إيرلندا و #قبرص و #بَنَما وغيرها.