تأتي زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى تركيا ولقاءه الرئيس أردوغان في وقت بالغ الحساسية والتعقيد على العالم. لا سيما على المستوى الاقتصادي. وهو ما يجعل الجانبان يأملان في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية لبلديهما. وبدء حقبة جديدة من التعاون بعد سنوات من الجفاء. وهذا ما سيعزز من قدرة البلدين على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية التي تفرضها الأزمات الدولية. وعلى رأسها أزمات التضخم وسلاسل التوريد وأزمة حرب أوكرانيا والتوترات السياسية في عموم المنطقة. ومن شأن الزيارة دعم مجالات التعاون في مختلف قطاعات الاقتصاد. والسؤال هنا: ما المكاسب السعودية والتركية المتوقعة بعد زيارة محمد بن سلمان لأنقرة؟
تأتي الزيارة في ظل ظروف اقتصادية دولية بالغة التعقيد. فأزمة التضخم تهدد اقتصاد غالبية دول العالم. وأسواق الطاقة وعلى الرغم من انتعاشها إلا أنها مهددة بالركود التضخمي. ناهيك عن عدم استقرار الطلب المستقبلي عليها.
هذه التحديات وغيرها تتطلب من الدول العمل على تحصين الاقتصاد ضد هذه التحديات. وعلى مستوى السعودية وتركيا فهما غير محصنات ضد هذه التحديات. لذلك فالتضخم في تركيا بلغ أرقاماً خطيرة. وكذا السعودية تشهد ارتفاعاً في التضخم والذي سجل ارتفاعاً قدره 2% في شهر مايو الفائت على أساس سنوي.
كما تأتي الزيارة أيضًا في وقت أصبحت فيه الثروة النفطية الهائلة للمملكة العربية السعودية الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى. خاصةً وسط أزمة الإمدادات التي أشعلتها الحرب الروسية في أوكرانيا. ولذلك يسافر الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية يوليو المقبل للقاء محمد بن سلمان.
إن الضغط على سوق الطاقة العالمي والمطالب المستمرة بزيادة الإنتاج السعودي تزيد من حدة التحديات التي تواجه دول الخليج العربي عامة. والسعودية على وجه الخصوص. أما تركيا وباعتبار أنها من أكبر اقتصادات منطقة الشرق الأوسط فإنها تشكل شريكاً اقتصادياً استراتيجياً للسعودية.
مكاسب السعودية من الزيارة تتنوع بين الاقتصاد والسياسة. حيث ترغب السعودية بتعزيز علاقاتها مع تركيا. لا سيما أن المؤشرات الدولية تشي باحتمال التوصل لاتفاق نووي جديد بين إيران والغرب. وهذا لا يصب في مصلحة السعودية. كما أن التعثر السعودي في اليمن يتطلب مزيداً من التحالفات الإقليمية.
بالإضافة إلى ذلك فإن تركيا قد تلعب مستقبلاً دور الوسيط بين السعودية وإيران. وفي ذات الوقت فإن التحديات السياسية والعسكرية الدولية تعزز من مناخ المصالحات في المنطقة. فاستمرار الخلافات بين السعودية وتركيا من شأنه تقليل مناعة الإقليم بالكامل ضد التحديات والتهديدات الدولية.
تشمل المكاسب السعودية أيضًا الجانب العسكري من خلال صفقات شراء الأسلحة التركية. والتي أثبتت فاعليتها في أكثر من مكان. حيث إن الرياض تسعى إلى تنويع مصادرها في السلاح في ظل توتر العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية المورّد الأساسي لها. ورفضها ضغوط بايدن لزيادة إنتاجها من النفط.
كما أن الاقتصاد التركي متنوع وبيئة استثمارية متميزة وقريب جغرافياً من الاتحاد الأوروبي. والاستثمار فيه يعزز الخطة الاستراتيجية السعودية الساعية لتقليل الاعتماد على عوائد النفط في تمويل الموازنة العامة. لذلك فالاستثمار السعودي في تركيا يشكل دعماً مباشراً للخطط الاقتصادية السعودية.
المكاسب التركية سياسية واقتصادية. ولكن المكاسب الاقتصادية تتفوق نسبياً على نظيرتها السياسية. فعلى المستوى الاقتصادي تسعى تركيا للحصول على دعم سعودي للخروج من أزمتها الاقتصادية. وتتضمن مكاسب تركيا المتوقعة زيادة حجم التجارة الثنائية بين البلدين. مستهدفة تجاوز الـ10 مليارات دولار.
من المكاسب الاقتصادية التركية: استئناف الرحلات السياحية السعودية إلى تركيا. وقد حققت تركيا بالفعل عدداً من المكاسب قبل الزيارة. من خلال إنهاء الحظر السعودي شبه الرسمي على البضائع التركية في وقت سابق. وزيادة الصادرات التركية إلى السعودية بنسبة 25% في الربع الأول من العام الحالي.
كما تشمل المكاسب الاقتصادية التركية أيضاً دعم الليرة التركية. وتعزيز الاحتياطات الأجنبية لدى البنك المركزي التركي. من خلال التوقيع المستقبلي على اتفاقية لتبادل العملات بين البلدين.
علاوة على تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى تركيا من خلال تمويل صناديق الاستثمار السعودية لمشاريع عدة داخل تركيا. إضافة لإيجاد أسواق كبيرة نسبياً لتصريف المنتجات التركية. وهذا ما يدعم بشكل غير مباشر سياسة خفض سعر الفائدة في تركيا. لا سيما أن هذه السياسة كان هدفها الرئيس دعم الصادرات.
من خلال الاقتصاد تطمح تركيا لتعزيز موقف العدالة والتنمية سياسياً قبيل الانتخابات المقبلة. فالاقتصاد له القول الفصل في نتائج الانتخابات. كما أن الموقف السياسي السعودي مهم لدعم مشروع المصالحة التركية المصرية. ومهم جداً لإيجاد حل للقضية السورية التي تشكل تهديداً للأمن القومي التركي.
بصفة عامة تشكل الزيارة دعماً لمناخ التهدئة السياسي العام في المنطقة. كما تشكل تدعيماً اقتصادياً للدول الإقليمية في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية والمتوقع تصاعدها في الفترة المقبلة. لذلك يُتوقع أن تنعكس نتائج الزيارة إيجابياً على مستوى المنطقة بالكامل سياسياً واقتصادياً.