مع مطلع الشهر الجاري (نوفمبر2021م) دعت حكومة الصين مواطنيها لتخزين كميات من المنتجات الغذائية الأساسية لتلبية احتياجاتهم اليومية وأي حالات طارئة. هذه الدعوة أثارت القلق العالمي وركَّزت الأضواء من جديد على طبيعة أزمة الغذاء العالمية. والسؤال هنا: ما الوجه الآخر لأزمة الغذاء العالمية؟ وما علاقته بالسيادة الإنسانية؟
في الحقيقة قفزت أسعار المواد الغذائية العالمية مرات متتالية عن مستوياتها خلال الفترة الماضية. فبحسب تصريحات منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” فإن أسعار الغذاء العالمية ارتفعت للشهر الحادي عشر على التوالي في أبريل الماضي 2021م. مسجلةً أعلى مستوياتها منذ مايو 2014م.
نتيجة لذلك وصل عدد الأشخاص الذين عانوا من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى 155 مليون إنسان عبر العالم بنهاية عام 2020م. وهو أعلى مستوى له في خمس سنوات بزيادة نحو 20 مليون شخص عن 2019م بحسب بيان لـلفاو.
من جهة أخرى قد تتمثل أسباب ارتفاع الأسعار ونقص الوصول إلى الغذاء في وجود النزاعات السياسية العنيفة في بعض الدول. مثل: استمرار النزاعات في سوريا واليمن وأفغانستان وبعض دول جنوب إفريقيا.
بالإضافة إلى احتمالات تفشي “كورونا” من جديد. خاصةً مع اقتراب موسم الشتاء وظهور تحورات جديدة وأكثر خطورة للفيروس. علاوة على وجود أزمة في سلاسل التوريد العالمية التي تأثرت بالجائحة وأدت لنقص العمال وارتفاع تكاليف الشحن.
علاوة على وجود تغيرات مناخية حادة في الدول المنتجة للغذاء. بسبب الجفاف الذي ضرب أمريكا الشمالية أكبر مورد عالمي للحبوب. والطقس غير الملائم في مزارع الحبوب الرئيسة الأخرى مثل: روسيا وكندا. والجفاف والصقيع اللذين أضرّا بمحاصيل البُن وقصب السكر في البرازيل.
وفي الوقت نفسه ما يشهده العالم مؤخرًا من أزمة الطاقة العالمية. بسبب الارتفاعات المتتالية في أسعار النفط والغاز ونقص الوقود ومواد التدفئة وخاصةً في أوروبا. لا سيما مع دخول فصل الشتاء.
على الرغم من مع كل هذه العوامل يمكننا تفهُّم لماذا توجد أزمة في توفير الغذاء عالميًّا. لكن هل هذه هي كل الأسباب؟ الحقيقة أن كل هذه العوامل لا تكفي فقط لحدوث أزمة غذاء عالمية.
بصفة عامة تؤكد منظمة “الفاو” أن الغذاء الذي يتم إنتاجه عالميًّا -وسط كل هذه الظروف- يكفي جميع سكان العالم. على سبيل المثال: إنتاج القمح العالمي القياسي في الفترة بين 2020- 2021م كافٍ -من الناحية النظرية- لإطعام ما يصل إلى 14 مليار إنسان.
فما المشكلة الرئيسة هنا؟ في رأيي هي “سوء إدارة الغذاء”. فالمجاعة المنتشرة حول العالم ليست بسبب نقص الغذاء وارتفاع الأسعار فقط. بل لغياب العدالة. فنقص الحصول على الغذاء ليس لأنه لا يوجد غذاء. بل لأن هناك فقراء وأثرياء.
في الوقت الحالي هناك ظلم وتفاوت طبقي. فالمنتجات الغذائية تذهب إلى أولئك الذين يملكون القدرة الأكبر على الدفع وليس الأشخاص الأكثر ضَـعفًا وحاجةً. نتيجة لذلك هناك سوء توزيع للغذاء بين الفقراء والأغنياء ينتج عنه وجود هدر للمواد الغذائية المُنتجة بنحو 14٪.
زيادة على ذلك ومع نسبة الهدر هذه -إن لم تكن تزيد بوتيرة سريعة- وتفاقم العوامل الأخرى. فمن المتوقع أن يرتفع عدد الذين يعانون من المجاعة أضعافًا مضاعفة وستنفجر معدلات الإصابة بالأمراض المرتبطة بالغذاء.
من ناحية أخرى يعتبر تقدير “الفاو” أن إنهاء الجوع بحلول عام 2030م سيتطلب من 40 إلى 50 مليار دولار تقديرًا متفائلًا للغاية. لأن هذا الرقم “ضئيل” مقارنة بقيمة الناتج المحلي الإجمالي العالمي الذي تقدِّره بيانات “البنك الدولي” بنحو 84.8 تريليون دولار.
لكن دون معالجة جذرية للعوامل الرئيسة لنقص الغذاء وارتفاع الأسعار. وفي مقدمتها غياب عدالة التوزيع فسيتفاقم الأمر وربما تتكرر أزمة ما بين عامي 2006 و 2008م. والحل يبدأ من تطوير النظام الغذائي العالمي بإضعاف هيمنة قوى السوق الكبرى وتقديم العدالة والسيادة “الإنسانية” الغذائية على ما سواها.
في نهاية المطاف إن المبادرات الشعبية المستندة للقرارات المجتمعية والأفكار المرنة؛ مثل: مراكز التغذية ومبادرات الزراعة الحضرية والمطابخ المجتمعية وغيرها. ربما تساعد في تطوير أنظمة غذائية محلية لا تخضع لسيطرة كبرى الدول والشركات. ويمكن إكسابها الطابع العالمي الموحَّد لتكون أكثر جدوى ونفعاً للفقراء.