يعتبر الاقتصاد السياسي العلم الأقدر على تحليل الأحداث العالمية وإيجاد الدوافع الحقيقية لها. فالسياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة. فعند الحاجة لفهم أي حدث سياسي لا بد من إيجاد الإسقاط الاقتصادي له. وهذا الأمر ينسحب على أفغانستان. والسؤال الآن: هل هناك رابط بين ثروات أفغانستان الاقتصادية وبين الأحداث السياسية بها؟ وما تأثير ثروات أفغانستان الاقتصادية على مستقبلها السياسي؟
في الحقيقة تمتلك أفغانستان كمية ضخمة من الثروات الطبيعية. والتي في غالبيتها الساحقة غير مستثمرة. وتناولت عدة تقارير وأبحاث علمية عالمية قضية تقدير هذه الثروات. ففي عام 2010م قدر العلماء الأمريكيون قيمة ثروات أفغانستان بأكثر من تريليون دولار أمريكي. وفي تقارير أخرى تم تقدير هذه الثروات بـ3 تريليونات دولار.
بصفة عامة تتعدد الثروات الطبيعية في أفغانستان. إذ تشمل النحاس والرخام والأحجار الكريمة والكوبالت والحديد والكروم والزنك والليثيوم والرصاص. إضافة لوجود احتياطات جيدة من الوقود الأحفوري في شمال البلاد كالنفط والغاز الطبيعي. والغالبية الساحقة من هذه الموارد والثروات لم تُستغل بعد.
فيما يخص القيمة التقريبية لهذه الثروات فقد تم تقديرها بواسطة عدة دراسات علمية. فعلى سبيل تم تقدير قيمة الحديد بما يقارب 420 مليار دولار. والليثيوم تم تقديره بأكبر احتياطي في العالم. والنحاس تم تقدير قيمته بـ 88 مليار دولار. ويعد احتياطي النحاس فيها ثاني أكبر احتياطي في العالم.
تمتلك أفغانستان أيضاً 5 مناجم للذهب. إضافة لأكثر من 400 نوع من الرخام. واحتياطي من البريليوم تقدر قيمته بـ 88 مليار دولار. هذا بالإضافة إلى مناجم عدة لاستخراج الأحجار الكريمة. فالحكومة الأفغانية كانت تجني سابقاً أكثر من 160 مليون دولار سنوياً من بيع الأحجار الكريمة.
في الواقع تنبهت غالبية الدول الكبرى ومنذ نهاية القرن التاسع عشر لثروات أفغانستان الطبيعية. هذا بالإضافة لموقعها الاستراتيجي على تخوم كبرى الدول العظمى لا سيما الاتحاد السوفييتي سابقاً. فبعض التقارير تقول بوجود اهتمام روسي بأفغانستان منذ عهد روسيا القيصرية. كما تمت عدة استكشافات للثروات الطبيعية من قبل الاتحاد السوفييتي عام 1930م.
بعد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان عام 1979م قام الاتحاد السوفييتي بالاستثمار في عدة مناجم للنحاس في البلاد. ولاحقاً قامت الصين بالاستثمار في منجم “أيناك” للنحاس عام 2008م. كما تسعى باكستان لدخول مجال الاستثمار في ثروات أفغانستان الطبيعية مستندة على علاقاتها الجيدة من حركة طالبان.
كما تشكل ثروات أفغانستان أحد المحددات الرئيسة في رسم علاقتها مع المجتمع الدولي. فالعديد من الدول ترغب بالدخول الاستثماري إلى هذا البلد. وهنا يمكن ملاحظة قيام بعض الدول بإبقاء سفاراتها في أفغانستان على الرغم من سيطرة طالبان على الحكم مؤخراً كروسيا والصين.
سعت الولايات المتحدة من خلال انسحابها من أفغانستان إلى تأزيم الوضع في المنطقة. والسعي لإشغال روسيا والصين بقضايا أمنية في منطقة نفوذهما. إضافة لمحاولة عرقلة المشروع الصيني العملاق الحزام والطريق.
في الحقيقة تدرك كل من الصين وروسيا وباكستان أهمية أفغانستان وأهمية ثرواتها الطبيعية. ولذلك تسعى ووفقاً لمنهج الواقعية السياسية لبناء تحالفات سرية أو علنية مع حركة طالبان. وذلك على الرغم من التباين العقائدي والفكري الحاد بين حركة طالبان من جهة وبين كلّ من روسيا والصين من جهة أخرى.
تدرك حركة طالبان أنها لن تتمكن من استثمار الثروات الطبيعية في البلاد بمفردها. فهي تحتاج لشركات عملاقة وخبرة تكنولوجية وصناعية تفتقر إليها. ولذلك تسعى لتسويق نفسها كحركة إسلامية معتدلة. وبذلك تسعى لبناء تحالفات مع بعض الدول الكبرى القادرة على القيام بأعباء الاستثمار.
في ظل الثروات الطبيعية الكبرى التي تتمتع بها أفغانستان يلاحظ أن الاقتصاد الأفغاني يعتمد بشكل كبير على المساعدات الدولية. إضافة لانتشار التجارة غير الشرعية وعلى رأسها تجارة المخدرات. فأفغانستان حالياً تُعتبر من أكبر مصادر المخدرات في العالم. هذا بالإضافة لمعدلات الفقر والبطالة المرتفعة.
من المتوقع أن تحاول غالبية الدول عرقلة الاستثمار في ثروات أفغانستان الطبيعية ما لم تضمن لنفسها حصة من هذه الاستثمارات. وهو ما سينعكس على الاستقرار الداخلي في البلاد. ففي حال ضمنت روسيا والصين لنفسيهما موطئ قدم في هذه الاستثمارات فمن المتوقع أن تدعما استقرار البلاد والعكس صحيح.