تقوم البنوك المركزية في جميع دول العالم بإجراء تغييرات مستمرة على أسعار الفائدة. ويعد هذا الإجراء شأناً اقتصادياً داخلياً قلّما ينعكس بحدة على الاقتصاد العالمي. إلا أن تغيير سعر الفائدة الأمريكية يُعد حدثاً عالمياً. إضافة لأهميته على صعيد الاقتصاد الأمريكي فإن رفع سعر الفائدة الأمريكية مؤخراً يعد حدثاً عالمياً بامتياز. والسؤال هنا: ما تأثير رفع سعر الفائدة الأمريكية على الاقتصاد الأمريكي والعالمي؟
رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية. وهي الأعلى له منذ أكثر من عشرين عاماً. والثاني هذا العام بعد ارتفاع مارس الأخير بربع نقطة. في محاولة لكبح جماح التضخم المتصاعد بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. حيث بلغ في فبراير الفائت 7.9% على أساس سنوي.
مع استمرار الحرب في أوكرانيا وتأثر سلاسل التوريد العالمية وارتفاع التضخم لمستويات قياسية. من المتوقع أن يشهد سعر الفائدة الأمريكي ارتفاعات متلاحقة. بحيث يصل إلى 2% في نهاية العام الحالي. وذلك بهدف إعادة التضخم إلى النسبة المستهدفة والتي تقدر بـ 2%.
يهدف الفيدرالي الأمريكي من خلال رفع سعر الفائدة إلى تقليل كمية السيولة في السوق. وتقليل نسبة الاقتراض وتشجيع الادخار والحد من الاستهلاك. وبالتالي تقليل الطلب الكلي. إلا أن هذه السياسة وعلى الرغم من تأثيراتها النسبية على التضخم ستؤدي إلى آثار انكماشية. وهو ما يعزز المخاوف من حالة ركود تضخمي عالمية.
في الحقيقة تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة لرفع قيمة الدولار. لأن الادخار في الولايات المتحدة بات أكثر عائداً. لذا يقوم المستثمرون بنقل الأموال إلى الولايات المتحدة. وهو ما يُعرف بتدفق الأموال الساخنة. إضافة لكون سعر الفائدة المرتفع يقلل من عرض الدولار في السوق الأمريكية نتيجة ارتفاع معدل الادخار وتراجع معدل الاستهلاك.
من جهة أخرى يؤثر رفع سعر الفائدة على قيمة الذهب. فمن المتوقع أن تشهد أونصة الذهب تراجعاً في المستقبل القريب. وذلك في حال ثبات العوامل الأخرى. وذلك لعدة أسباب من أهمها أن الذهب والدولار يرتبطان بعلاقة عكسية فارتفاع قيمة أحدهما تعني تراجع قيمة الآخر.
لا تقتصر آثار رفع سعر الفائدة الأمريكية على الاقتصاد الأمريكي. بل تتعداه لتشمل الاقتصاد العالمي برمته. فمن المتوقع أن تنخفض أسعار النفط. لكون سعر النفط يرتبط بعلاقة عكسية مع قيمة الدولار. وهذا يعني أضراراً للدول المُصدّرة للنفط ومنفعةً للمستوردة له.
رفع سعر الفائدة الأمريكي سيجعل السندات الحكومية الأمريكية أكثر جاذبية استثمارية. وبالتالي يزداد الطلب عليها. وهذا يؤدي لانخفاض الطلب على السندات الحكومية للدول الأخرى. وبالتالي صعوبة توفير التمويل الداخلي والاقتراض المحلي للدول الأخرى. فتوفير تمويل داخلي لموازنات الدول سيغدو أكثر صعوبة وتكلفة.
كما أن من المتوقع أن يؤدي القرار الأمريكي إلى ارتفاع قيمة الديون الخارجية للدول المقومة بالدولار. نتيجة ارتفاع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى. وهو ما سيزيد صعوبة خدمة الدَّين الخارجي. وقد يسبّب بعض حالات التقشف وتراجع الإنفاق الحكومي.
من المتوقع أن يؤثر القرار الأمريكي على اقتصاد الدول العربية والشرق الأوسط. فمن المتوقع أن تلجأ العديد من الدول العربية لرفع سعر الفائدة للحد من هجرة رؤوس الأموال الساخنة. فغالبية دول الخليج العربي رفعت أسعار الفائدة لديها عقب القرار الأمريكي. وهذا ما سيعني الحد من الاقتراض. إضافةً لارتفاع تكلفة تمويل المشاريع الجديدة.
يؤدي رفع أسعار الفائدة وما يليها من زيادة في سعر الدولار مقابل العملات العربية إلى تعاظم قيمة الديون الخارجية المقوّمة بالدولار. وكذلك ارتفاع تكلفة خدمة الديون في الموازنات العامة. ما سيؤدي لمزيد من الضغوط على الميزانية المضغوطة في الأساس.
في تلك الحالة ستضطر الدول لفرض المزيد من الضرائب والإجراءات التقشفية. التي قد تؤدي بدورها للاستدانة مرة أخرى لسداد الديون الأصلية. وهو ما يُدخلها في دائرة الاقتراض مرات متعددة. ما قد يفاقم وضعها المالي. وبعضها قد يكون مهدداً بالإفلاس.
إن الأثر الحقيقي لرفع سعر الفائدة الأمريكية على اقتصاد منطقة الشرق الأوسط يبقى رهيناً بالإجراءات التي ستتبعها حكومات هذه الدول. ولكن لا بد من الاعتراف بأن شبح الركود التضخمي بات يهدد أكثر من أي وقت مضى الاقتصاد العالمي بالكامل. وهذا ينسحب على اقتصاد الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط.