سبّبت الحرب الروسية الأوكرانية تبعات عدة على مستوى العالم أجمع. منها تبعات سياسية وعسكرية واقتصادية. وفيما يتعلق بالمستوى الاقتصادي يشكل محور الغاز الروسي واستقرار سوق الطاقة العالمي أحد أبرز تداعيات الحرب. والسؤال هنا: ما تأثير وقف الغاز الروسي على أوروبا وموسكو؟ وما البدائل المطروحة؟
في الحقيقة الحرب الروسية الأوكرانية لها تداعيات كبيرة على سوق الطاقة. ومنها على سبيل المثال قرار ألمانيا بإيقاف خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الروسي بقيمة 11 مليار دولار. ما يشير بوضوح إلى النوايا العالمية لإيقاف استيراد الغاز الروسي. كورقة عقابية تؤجلها الولايات المتحدة وأوروبا للوقت المناسب.
من جهة أخرى ليس من الضرورة أن يكون قرار إيقاف إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا غربياً. فقد يكون قراراً روسياً كرد فعل روسي على العقوبات الغربية. وإن لم يكن ذلك ولا ذاك. فقد يتسبب الصراع العسكري في إتلاف خطوط الأنابيب التي تعبر أوكرانيا لنقل الغاز إلى أوروبا.
تعتمد أوروبا على روسيا للحصول على حوالي 40% من غازها الطبيعي. تأتي من خلال خطوط أنابيب تمر عبر بيلاروسيا وبولندا إلى ألمانيا. بالإضافة إلى خط أنابيب نورد ستريم 1 الذي يذهب مباشرة إلى ألمانيا وعبر أوكرانيا. وهو ما يجعلها أكبر المتأثرين من توقف الغاز الروسي.
من ناحية أخرى فإن انخفاض سعره مقارنة بغيره يجعله مطلباً قوياً في السوق الأوروبي. خاصة أن الأوروبيين عانوا بشدة هذا الشتاء من ارتفاع أسعار الغاز المُستخدم في التدفئة المنزلية. مما أدى إلى ارتفاع فواتير الطاقة. ويعني توقف الغاز الروسي زيادة الطين بلّة وارتفاعاً أكبر للأسعار.
كما أن تحول أوروبا البطيء إلى مصادر الطاقة المتجددة يدفعهم إلى الاعتماد على الغاز بأي ثمن. حيث أعلنت مؤسسة الطاقة العامة في الاتحاد الأوروبي أن نسبة الطاقة المتولدة من الطاقة المتجددة والوقود الحيوي لا تتجاوز 18%. أضف إلى ذلك أن زراعة المحاصيل الأوروبية سوف تتأثر من قطع الغاز. حيث تستخدم القارة العجوز الغاز لصنع مكونات أساسية للأسمدة مثل نترات الأمونيوم واليوريا.
فيما يتعلق بتأثير توقّف الغاز على روسيا فهو يتلخص في خسارتها المادية. فمع افتراض استمرار متوسط السعر اليومي الذي تم تسجيله في الربع الأخيرة من العام الماضي. تكون تكلفة القطع الكامل للغاز عن أوروبا بين 203 و228 مليون دولار يومياً من العائدات الضائعة.
مع استمرار تلك الخسائر لمدة ربع عام مالي كامل ستصل إلى 20 مليار دولار فقط. وهو رقم زهيد بالنسبة للاحتياطي الروسي. ورقم ضعيف مقارنة بخسائر أوروبا نفسها. علاوة على إمكانية تصريف الغاز في عدد من الدول الأخرى مثل الصين وكوريا الشمالية.
في الواقع يمكن لأوروبا الاعتماد على خيارات أخرى للحصول على الغاز. فيمكن لألمانيا وهي أكبر مستهلك للغاز الروسي أن تقوم باستيراد الغاز من النرويج وهولندا وبريطانيا والدنمارك عبر خطوط الأنابيب. أما جنوب أوروبا فقد يعتمد على الغاز الأذربيجاني عبر خط الأنابيب عبر البحر الأدرياتيكي لإيطاليا وخط الغاز العابر للأناضول عبر تركيا.
بالإضافة إلى ذلك فإن الغاز المُسال أحد الحلول المطروحة على الساحة الأوروبية. حيث سجلت واردات الغاز المسال إلى أوروبا والولايات المتحدة نحو 11 مليار متر مكعب في يناير الماضي. لكن محطات الغاز المسال في أوروبا ليس لديها قدرة على استيعاب إمدادات إضافية في حالة تعطل الغاز الروسي.
أما بالنسبة لقطر. وعلى الرغم من كونها أحد أكبر منتجي الغاز المسال في العالم. إلا أنها أعلنت بنفسها أنها لا تملك القدرة على تعويض إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا بالغاز المسال. لأن معظم الكميات مرتبطة بعقود طويلة الأجل. فضلاً عن كون الغاز المُسال غير مرغوب وفقاً لمؤشرات حماية البيئة.