شَارِك المَقَال

 

 

يعتبر الانسحاب الأمريكي المفاجئ من أفغانستان من أبرز الأحداث العسكرية والسياسية في الوقت الراهن. ويكتسب هذا الحدث أهميةً خاصةً على مختلف المستويات. لا سيما أنه سيترك آثاراً عميقة قد لا تزول لسنوات عديدة. وهنا قد يكون السؤال الأبرز: ما دلالات ومؤشرات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان محلياً وإقليمياً وعالمياً؟

 

ما تاريخ الوجود الأمريكي في أفغانستان؟

يعود الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان إلى عام 2002م بعد الغزو الأمريكي لها عقب هجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001م. إلا أن الوجود غير المباشر يعود للربع الأخير من القرن العشرين. والذي ظهر من خلال الدعم الأمريكي للحركات الجهادية المناهضة للوجود السوفييتي آنذاك.

 

حققت الولايات المتحدة عدة أهداف استراتيجية أثناء وجودها في أفغانستان. منها إنشاء قواعد عسكرية على حدود إيران وبالقرب من روسيا والصين. إضافة للسيطرة على تنظيم القاعدة الذي وُلد من رحم جماعة طالبان التي دعمتها الولايات المتحدة سابقاً.

 

ما أسباب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان؟

بالتأكيد إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان جاء لتلبية المصالح الأمريكية. دون الاكتراث بمصالح الحلفاء أو بالاستقرار العالمي. فمن خلال هذا الانسحاب غير المدروس ضربت الولايات المتحدة مصالح الحكومة الأفغانية عرض الحائط. ولكن ما حقيقة أسباب هذا الانسحاب؟

 

ترى الولايات المتحدة أن مبررات وجودها في أفغانستان باتت منخفضة. وأن البلاد أصبحت آمنة نسبياً بعد تراجع تهديد تنظيم القاعدة. وهذا الأمر تعوزه الدقة. فالسبب الحقيقي في الانسحاب أن المصالح الاستراتيجية الأمريكية يمكن تحقيقها  بغياب الوجود العسكري المباشر أكثر من حالة وجوده.

 

في الواقع إن الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان يَحُدّ من قدرتها على التحرك. فأمن البلاد في عهدتها. وأي تهديد لأي دولة يصدر من أفغانستان سيضع الحكومة الأمريكية في موقف محرج. وستظهر داعمة لهذا التهديد أو على الأقل تقبل به. أما في حال غيابها فبالإمكان تنكّرها لأي مسؤولية عن التهديدات الصادرة عن أفغانستان وتحديداً جماعة طالبان.

 

من جهة أخرى فإن الوجود العسكري الأمريكي يكلف الخزانة الأمريكية مليارات الدولارات في ظل تراجع المنفعة الاستراتيجية من هذا الوجود. لذلك فمن الأولى الانسحاب والاستغناء عن هذه التكاليف.

 

قد يكون السبب الأهم للانسحاب الأمريكي من أفغانستان هو القلق من الصين ونموها الاقتصادي المتسارع. ففي غيابها عن أفغانستان بإمكانها استثمار جماعة طالبان بشكل غير مباشر لعرقلة مشروع الحزام والطريق الصيني. والذي يُوصف بأنه أكبر مشروع تجاري في التاريخ. وهو يشكّل تهديداً استراتيجياً لزعامة أمريكا للعالم.

 

بالتأكيد إن سيطرة طالبان لن يعني أبداً انتهاء مشروع الحزام والطريق الصيني. ولكن من شأنه التأثير عليه. فأفغانستان وبحكم موقعها الجغرافي تعتبر من الحلقات المهمة في هذا المشروع. ونظراً لهذه الأهمية بالنسبة للصين تنشط شبكات التجسس في أفغانستان. إلا أنها ستتراجع بشكل ملحوظ بعد سيطرة طالبان.

 

إن عدم مرور مشروع الحزام والطريق في أفغانستان سيعني إطالة لهذا المشروع بمسافة تزيد عن 400 كم داخل أفغانستان. إضافة لزيادة التكلفة المادية للوصول إلى القوقاز. ومنها إلى الجنوب الغربي لروسيا.

 

ما أبرز نتائج الانسحاب الأمريكي؟

بصورة عامة يدل تتابع الأحداث بأن الانسحاب الأمريكي كان مدروساً ومتفقاً عليه بين الولايات المتحدة والقوى الفاعلة في البلاد. خاصةً جماعة طالبان والحكومة الأفغانية. ويتضح من الأحداث أيضاً أن الولايات تسعى لتسليح طالبان بشكل غير مباشر. وذلك من خلال استيلائها على طائرات وذخائر أمريكية في بعض المطارات. فعلى ما يبدو أنها تُركت عمداً.

 

تشير غالبية التوقعات إلى أن أفغانستان ستغرق بالعنف من جديد وتعود لمظاهر التشدد وغيرها. وإن كنا هنا نخالف هذه التوقعات. فالأحداث تشير إلى أن طالبان ستسعى بعد استلامها الحكم في أفغانستان لاتباع سياسة جديدة. وتسوق نفسها بأنها قوة إسلامية تنحو باتجاه الاعتدال. وستسعى لإقامة علاقات دبلوماسية مع غالبية الدول.

 

إن دعوة طالبان السفارات للبقاء وقولها بأنه لا يجب على أفراد الحكومة الأفغانية الهروب يدل على أنه لن تحدث أي عمليات انتقام. وسيتم حماية السفارات الأجنبية. وهذا ما يتضح من خلال بقاء العديد من السفارات وعلى رأسها السفارة الروسية التي كانت تجمعها مع طالبان سابقاً عداوة سياسية وعقائدية متجذرة.

 

تضغط الولايات المتحدة على طالبان لعدم انتهاج أي سياسة متشددة. وتسعى بشكل غير مباشر لدفعها لتسويق نفسها على أنها قوة معتدلة نسبياً. ويمكن التعاون معها. ومن خلال هذه البراغماتية السياسية يمكن للولايات المتحدة استخدام طالبان بشكل أكثر فاعلية مقارنة بالتشدد والعنف.

 

مما لا شك به أن الولايات المتحدة ستسعى لاستثمار انسحابها لأكبر مدى ممكن. ولكن نجاحها في هذا الأمر مرهون بطريقة تعامل اللاعبين الإقليميين والدوليين كالصين وروسيا مع هذا الأمر. فإما ينجحون في استثماره أيضاً. وفي النهاية فإن الدولة الأفغانية تعتبر الخاسر الأكبر في هذه العملية.

 

ما النتائج المترتبة على الحدث؟

ومن حيث النتائج المترتبة على هذا الحدث فمن غير المستبعَد أن تنجح إيران في تعزيز وجودها الاستخباري في أفغانستان. لا سيما أن العديد من التقارير السابقة تقول بوجود تعاون سري بين طالبان والحرس الثوري الإيراني.

 

بمراجعة سريعة لتاريخ وحاضر ومستقبل أفغانستان يتضح بشكل جلي أن العالم أجمع يدفع ثمن مصالح كبار اللاعبين الدوليين. وهو ما يهدّد الاستقرار العالمي ويهدّد من خلفه مستقبل الدول جميعاً.

 

شَارِك المَقَال