في ظل الانهيار والتذبذب المتواصل للعملات الرقمية لا يزال البعض يصر على إقناع الناس بأهمية وجدوى الاستثمار بالعملات الرقمية. فآلاف الأفراد خسروا ملايين الدولارات. فالنجاح في تجربة ما مرة أو مرات ليس برهانًا على صحتها. خاصةً في علم الاقتصاد. فقد تكون التجربة تمت في ظروف استثنائية. وهو ما أدى لنجاحها. ولكن ووفقاً للمنطق الاقتصادي فإنها فاشلة وغير ذات جدوى.
علامات استفهام كبيرة لا زالت تحيط بالعملات الرقمية. فمن هي الجهة المسؤولة عن إصدارها. ما هي بيئتها القانونية. من الجهة المُنظِّمة لتداولها. لذلك وفي ظل الضبابية التي تحيط بهذه العملات فإن من يغامر بماله أو قوت عياله عليه أن يتحمل العواقب. ومن يدفع ويشجع غيره فعليه وِزْره.
العديد من الاقتصاديين ورجال الدين يسعون للتشجيع على الاستثمار في العملات الرقمية. ويقدمون فتاوى شرعية وتبريرات اقتصادية لهذا الأمر. وهؤلاء يتحملون وزر من خسر ماله. فهم يمثلون جهةً مرجعيةً يُناط بها توجيه العامة وإرشادهم. فالإفتاء الشرعي والاقتصادي هنا ينطوي على مسؤولية خطيرة.
كبار المستثمرين المخضرمين يعملون بخبرة عالية لاكتساب معدل عائد لا يتجاوز 30% في أفضل الأحوال. فكيف يمكن لصغار المستثمرين اكتساب أضعاف أموالهم دون خبرة ودون جهد. فالاستثمار يتطلب اجتماع عدة شروط. هي رأس المال والجهد والتنظيم. وإنفاق المال على هذه العملات وفق هذا المبدأ لا يعد استثمارًا فهو لا يتضمن إلا رأس المال.
في الحقيقة إن انهيار العملات الرقمية الحاصل مؤخراً دليل آخر على انعدام جدوى هذا الاستثمار. والذي يعتبر لوناً من ألوان المقامرة. وما محاولات تطمين المستثمرين والترويج لهذا الاستثمار إلا ضرب من التدليس. إذ لا ضمانات ولا قوانين دولية تصادق على صحة التداول وشرعيته.
في ظل الخسارات المتتالية التي تتكبدها هذه العملات لا يحتمل الخسارة في النهاية إلا صاحب المال الذي قايض ماله ومدخراته. واشترى أوهاماً وآمالاً زائفةً. وعوضاً عن هذه المخاطرة يمكن استثمار المال في الذهب أو العقارات. أما العملات الرقمية وسط هذا التخبط فكمن اشترى سمكاً ببحر ميّت.
في النهاية إن من مسؤولية الفرد إعمال عقله في أي أمر قبل اتخاذ القرار. ففي العملات الرقمية لا وجود لضمانة حقيقية. فالرغبة بالربح السريع قد تعمي البصيرة. ومن عدل الحياة أن الربح لا يأتي بدون جهد. فأي إيراد يتحقق بالمصادفة فهو ربح آني وغير حقيقي.