تقول تقارير صحفية تركية بأن الحكومة التركية تسعى لإعادة مليون ونصف لاجئ سوري بشكل طوعي إلى بلادهم. وفق برنامج زمني تتراوح مدته بين 15 – 20 شهراً. فما دلالات هذا المشروع؟ وما إمكانية تنفيذه على أرض الواقع؟
بات الوجود السوري في تركيا قضية سياسية داخلية تشغل الحكومة التركية والمعارضة. وتزداد أهميتها مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. فالمعارضة تسعى لاستخدام هذه القضية لتحقيق تفوّق سياسي. والحكومة الحالية تسعى أيضاً لسحب هذه الورقة من يد المعارضة.
إن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم يعد في جوهره قضية إنسانية نبيلة وضرورة اجتماعية واقتصادية وسياسية. إلا أنه ومن الناحية التنفيذية دونه عقبات عدة قد تحول دون نجاحه. ومنها عقبات ذاتية تتعلق باللاجئين أنفسهم وبالمناطق السورية. وأخرى موضوعية تتعلق بالظروف الإقليمية والدولية.
مضى على سنوات اللجوء في تركيا ما يقارب عقد من الزمن. وهذه المدة الطويلة أدت لارتباط اللاجئين بأعمال وعلاقات اجتماعية وبيئة اقتصادية. والتخلي عن هذه البيئة والعودة بشكل مفاجئ إلى سوريا قد يشكل ضغطاً عليهم. لذلك فقد يكون قلة من اللاجئين الذين يفكرون بالعودة الطوعية. ولحل هذه المعضلة لا بد من إيجاد حلول لممتلكاتهم وأعمالهم في تركيا.
تقول التقارير الصحفية بأن الحكومة التركية ستقوم بتجهيز 200 ألف وحدة سكنية في الشمال السوري بتمويل قطري لدعم إعادة اللاجئين. ولكن البيئة الاقتصادية في المنطقة ليست مؤهلة لاستقبال هكذا عدد. فالمشكلة لا تنحصر في توفير السكن. بل تشمل فرص العمل ومستوى الأجور والمستوى الأمني والاستقرار الاجتماعي.
من جهة أخرى ووفقاً لتقارير أممية فإن نسبة الفقر في الشمال السوري بلغت 92% عام 2021م. ومستوى الأجور يقل عن 100 دولار شهرياً. فهذه المؤشرات لا تدعم مشروع الإعادة. كما أن دخول مليون ونصف لاجئ إلى المنطقة من شأنه زيادة حدة هذه المؤشرات السلبية.
أما على مستوى مناطق النظام السوري فإن حكومة النظام لا تتمكن من تغطية احتياجات السكان الحاليين في مناطقها. فهي أعجز عن أن تستقبل أيّ أعداد إضافية. فأزمات الخبز والمحروقات والكهرباء في ذروتها. فاستقبال النظام للاجئين يحتاج لدعم دولي له. وهذا غير ممكن حالياً.
إن مشروع إعادة اللاجئين سيبصر النور آجلاً أم عاجلاً. فبالتأكيد لن يستمر اللجوء السوري في تركيا إلى ما لا نهاية. ولكن مشروع الإعادة يتطلب توافر جملة معطيات اقتصادية وسياسية وأمنية واجتماعية لا تستطيع دولة وحدها توفيرها.
كما أن الشمال السوري بحاجة لمشاريع اقتصادية كبيرة ودعم عمليات التعافي المبكر. وهذا يحتاج مليارات الدولارات. ويحتاج أيضاً لتوافق سياسي دولي. كما يحتاج لضمان استقرار عسكري وعدم حدوث صدام عسكري. وبالتالي لا بد من ضمانات من النظام السوري أو من حلفائه. وكل هذه المتطلبات قد لا تكون متوفرة في الوقت الحالي.
في النهاية إن مشروع إعادة اللاجئين السوريين يشكل أولوية اجتماعية وإنسانية. ولكن الواقعية السياسية تحتّم الاعتراف بأنه لا يمكن لدولة بمفردها حل هذه القضية. فاللجوء السوري بات قضية دولية. وهو يتطلب جهوداً دولية متكاملة لإيجاد حل لها.