ما هيَ التَحَدِّيات الّتِي تُوَاجِه الاسْتِثْمار في إِنْتاج و #نَشْر_الكُتُب ومَا هِي الحصَّة السُّوقِيَّة ل #صِناعة_الكُتُب في العالَم العَرَبيّ
يعتبر #الكِتاب أحد الظواهر الثقافيّة والإقْتِصاديّة، فهو المَنْهَل الرَّئيس للعُلُوم، كما يُشكِّل مِنَصّة استِثْماريّة هامّة من ناحية الاسْتِثْمار في طِباعة و #نَشْر_الكُتُب ، إلَّا أنَّ الواقِع العَرَبيّ يُعاني من تَدَهْوُر واضِح في هذا الاسْتِثْمار، فالأَرْقام الرسْميّة تَشي بواقِع مُؤْلِم لهذه الصِّناعة.
#المُتَنَبّي يقول “أعزّ مَكانٍ في الدُّنا سَرْجُ سابِحٍ … وخَيْر جَليسٍ في الأَنام كِتاب”؛ إلّا أَنّ هذا الجَليس بات مَنْبُوذًا في بِلاد العَرَبِ، فالعَديد من# دُور_النَّشْر تعاني الأزَمَات المالِيّة، كُلّ هذا مَدْفُوع بتَراجُع #ثَقافة_القِراءة إِضافةً لأَسْباب اقْتِصاديّة واجْتِماعيّة أُخْرَى.
يَقُول تَقْرير بريطانيّ إنّ عَدَد الكُتُب المَطْبُوعة سَنويًّا في العالَم العَرَبيّ لا تَتَجاوَز 30,000 كِتاب، جُلُّها كُتُب مَدْرَسيّة ومَنْشُورات حُكُوميّة، بينما الكُتُب الثَّقافيّة لا تَتَجاوَز 5,000 كِتاب، كما أَنّ الدُّوَل العَرَبيّة تَتَذيَّل قائِمة الدُّوَل وَفْقًا لعَدَد الكُتُب المَطْبُوعة، فالصّين تُصْدِر 440,000 كِتاب سَنويًّا، وأَمْريكا 300,000 وبريطانيا 150,000 وجَميعها كَتَب ثَقافيّة.
تُشير الأَرْقام الماليّة لتَراجُع واقِع الاسْتِثْمار العَرَبيّ في الكِتاب، فحَجْم #صِناعة_الكُتُب في العالَم تَبْلُغ 153 مِلْيار دُولار، لا يَتَجاوَز نَصيب العَرَب منها 5 مليار، بما يُشَكِّل 3,3% فقط، بينما نَصيب أَمْريكا منها 26%، وتَصِل مُساهَمة أَرْبَعة دُوَل وهي الصّين وأَمْريكا واليابان وألمانيا إلى 53% من صِناعة الكُتُب العالَميّة، وهذا ما يُوَضِّح مِقْدار التَّرَدّي العَرَبيّ في هذا المَجال.
تُعاني #صِناعة_الكُتُب في العالَم العَرَبيّ من تَراجُع حادّ في الإِحْصاءات الكَمّيّة والنَّوْعيّة، وهو ما يُسَبِّب صُعُوبة في تَحْديد واقِع هذه الصِّناعةِ، إِلّا من خِلال ما يُرَشَّح من بَعْض التَّقارير الصَّحَفيّةِ، ففي مِصْر تَسْتَوْعِب صِناعة الكُتُب 70,000 عامِلاً، وفي قَطَر 2,100، وهي أَرْقام مُتَواضِعة نِسْبيّاً مُقارَنة بِالدُّوَل الأوروبّيّة.
تَتَعَدَّد الأَسْباب المُوجِبة لِتَراجُع الاسْتِثْمار في الكُتُبِ، منها ارْتِفاع تَكاليف الطِّباعة والنَّشْر والتَّدْقيق، لا سيَّما في ظِلّ تَراجُع مُسْتَوَى الدُّخُول الفَرْديّة في غالِبيّة الدُّوَل العَرَبيّة، مِمّا جَعَل اقْتِناء الكِتاب أَمْرًا بالِغ الصُّعُوبةِ، كَما أَنّ تَحْميل الكُتّاب والمُؤَلِّفين جُزْءًا من نَفَقة الطِّباعة يُشَكِّل دافِعًا سَلْبيّاً، مِمّا يَدْفَع المُؤَلِّفين للإِحْجام عَنْ النَّشْرِ، فَغالِبيّة دُوَل العالَم تُقَدِّم تَحْفيزات ماليّة للمُؤَلِّفينَ.
إِنّ ارْتِفاع نِسْبة المُكَوِّن الأَجْنَبيّ في أَيّ صِناعة من شَأْنِه رَفْع تَكْلِفة الإِنْتاجِ، وهذا بِالتَّحْديد ما تُعاني منه #صِناعة_الكُتُب في العالَم العَرَبيِّ، فالوَرَق والحِبْر وآلات الطِّباعة هي مُسْتورَدة وبالقَطْع الأَجْنبيّ في غالِبيّة الدُّوَل العَرَبيّةِ، الأَمْر الَّذي انْعَكَس على تَكاليف الطِّباعةِ، فوَفْقًا لإحْدَى الدِّراسات فَإِنّ تَكْلِفة طِباعة الكِتاب في الوَطَن العَرَبيّ تُعادِل أَرْبَعة أَضْعاف التَّكْلِفة في أورُوبّا.
على الرَّغْم من طَفْرة صِناعة الوَرَق في العالَم العَرَبيّ في العَقْد الأَخير إلَّا أَنَّها لم تَنْعَكِس على تَكاليف الطِّباعة، ففي السُّعُوديّة وحْدَها تَبْلُغ نِسْبة الاسْتِثْمارات في #صِناعة_الوَرَق 3,9 مليار دولار، كما تَبْلُغ عَدَد مَعامِل #الوَرَق في الخَليج فقط 459 مَعْمَلًا، إِلّا أَنّ 80% من هذه المَعامِل مُخَصَّصة لوَرَق الأَطْعِمة والكَرْتُون والتَّغْليف مع تَراجُع واضِح في نِسْبة إِنْتاج ورَقة الطِّباعة.
إِنّ ارْتِفاع نِسْبة التَّعادُل في #صِناعة_الكُتُب وارْتِفاع نِسْبة المُكَوِّن الأَجْنَبيّ وازْدياد الفَجْوة بين الطَّلَب والعَرْض رَفَع من مُعَدَّلات المُخاطَرة في اسْتِثْمار صِناعة الكُتُب، الأَمْر الَّذي دَفَع العَديد من المُسْتَثْمِرين لِلتَّوَجُّه لاسْتِثْمارات أُخْرَى ذات مَخاطِر مُنْخَفِضة حِفاظًا على رَأْس المال وسَعْيًا لِلرِّبْحِ.
لَعَلّ السَّبَب الأَعَمّ لتَراجُع الاسْتِثْمار في الكُتُب هو تَراجُع #ثَقافة_القِراءة في العالَم العَرَبيِّ، ففي تَقْرير التَّنْمية الثَّقافيّة الصّادِر عن مُؤَسَّسة الفِكْر العَرَبيّ بَيانٌ أَنّ الفَرْد العَرَبيّ يَقْرَأ 6 دَقائِق سَنويًّا، بينما الفَرْد الأُورُوبّيّ يَقْرأ 200 ساعة سَنَويًّا، وهُو ما يُعادِل 2,000 ضَعْف لِمُعَدَّل القِراءة العَرَبيِّ، فهذا المُؤَشِّر يُوضِّح وبشَكْلٍ جَليّ ضَعْف سُوق الكِتاب.
يُعْزِي البَعْض للكِتاب الإِلكترونيّ مَسْؤوليّة تَراجُع #سوق_الكِتاب الوَرَقيّ، وهذا الطَّرْح غَيْر دَقيق، إذ أَنّ إِحْصائيّات تَصَفُّح الإنترنت في العالَم العَرَبيّ تُثْبِت البُعْد التّامّ عن تَصَفُّح مَواقِع الكُتُب الإلكْترونيّة، فوَفْقًا لإحْدَى الدِّراسات فإنّ 76% من المُتَصَفِّحين العَرَب يُتابِعون البَرامِج التَّرْفيهيّة ومَواقِع التَّواصُل الاجْتِماعيِّ.
إِنّ تَحْفيز الاسْتِثْمار في #صِناعة_الكُتُب يَجِب أَنْ يَكون على مُسْتَوَيَيْنِ، الأَوَّل مُعالَجة القَضايا الاقْتِصاديّة ذات الصِّلة بهذه الصِّناعةِ، والثّانِية تَحْفيز الطَّلَب على الكِتاب، كَوْن الطَّلَب الفَعّال هو الرّافِعة الاقْتِصاديّة الحَقيقيّة لأَيّ اسْتِثْمار.
يُمْكِن دَعْم صِناعة الكُتُب اقْتِصاديًّا من خِلال مُساعَدتها على تَخْفيض نُقْطة تَعادُلها، وهذا يَتِمّ من خِلال تَخْفيض تَكاليف المَوادّ الأَوَّليّةِ، كَإِعْفاء الوَرَق المُسْتَوْرَد للطِّباعة من الرُّسوم الجُمْرُكيّةِ، ومَنْح تَحْفيزات اسْتِثْماريّة لِلرّاغِبين في الاسْتِثْمار في صِناعة وَرَق الطِّباعة، وتَخْفيض نِسْبة ضَريبة الدَّخْل على #دور_النَّشْر.
يُشَكِّل تَحْفيز الكُتّاب والمُؤَلِّفين دافِعًا حَقيقيًّا للاسْتِثْمار في الكُتُب، فلا يُمْكِن الاسْتِثْمار في غِياب المُؤَلِّفين والمُتَرْجِمين، وهذا التَّحْفيز يَجِب أَنْ يَكون مادّيًّا ومَعْنويًّا، إِضافةً لِقيام الحُكومات ودُور النَّشْر بِتَحَمُّل تَكاليف النَّشْر والطِّباعة وعَدَم تَحْميل المُؤَلِّف أَيًّا منها، إِضافةً لِلتَّكْريم والتَّشْجيع.
تُشَكُّل #صِناعة_الكُتُب حَلْقة من سِلْسِلة اسْتِثْماريّة طَويلة، تَبْدَأ بصِناعة الوَرَق والحِبْر والآلات وتَنْتَهي بإعادة تَدْوير الوَرَق لتَعود الدَّوْرة من جَديد، فأَيّ تَحْفيز لهذه الصِّناعة من شَأْنِه تَحْفيز السِّلْسِلة بالكامِل، ناهيك عن القِطاعات غَيْر المُباشِرة الَّتي تَنْشَط معها كالبَيْع بالتَّجْزِئة وخدْمات التَّوْصيل والتَّوْزيعِ، وبِالتَّأْكيد كُلُّ هذا يَصُبّ في خانة الرَّفْع الثَّقافيّ والاقْتِصاديّ.
يُمْكِن لِلدَّعْم الحُكوميّ أَنْ يُسْهِم بشَكْل مُباشِر في دَعْم #صِناعة_الكِتاب، من خِلال الدَّعْم الماليّ أو الإِعْفاءات من الرُّسومِ، ولَيسَ لمُنْصِف أن يَنسَى الدَّعَم الَّذَي يَتَفَضَّل به #الشَّيْخ_سُلْطان_القاسِميّ حاكم الشَّارِقة سواءً المُبَاشِر منه للنَّاشِرين والكُتَّاب أو مُجْمَل الحَرَكة الثَّقَافِيَّة العَرَبِيَّة.
إنّ إعادة الحَياة لصِناعة الكُتُب وللاسْتِثْمار بها يُشكِّل اسْتِثْمارا حَقيقيًّا، لا سيَّما أَنَّه اسْتِثْمار في الفِكْر والاقْتِصاد معًا، وهذه المُهِمّة قد لا تتَحَمَّلها جِهة واحِدة، بل هي مَسْؤوليّة الفَرْد والأُسْرة والمُجْتَمَع والحُكومة والمُجْتَمَع الاقْتِصاديّ، فلا يُمْكِن النُّهوض بها دُون تَضافُر جُهود كُلّ هذه الجِهات معًا.