الصراع الذي بدأ داخلياً في السودان بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع سرعان ما سيتحول إلى صراع بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية. يحاول فيه كل طرف تحقيق مصالحه باستخدام الدعم العسكري واللوجستي المباشر أو غير المباشر لطرفي الصراع. فما هي المصالح الإقليمية والدولية في السودان؟ وكيف يؤثر تباينها على مسار الصراع ومستقبله؟
في الحقيقة يرتبط السودان بمصالح مع أطراف إقليمية عديدة. فهو يرتبط بمصالح استراتيجية مع كل من مصر وإثيوبيا. خاصةً في قضية النيل. فمصر والسودان يسعيان للحفاظ على حصتهما من المياه. بينما تعمل إثيوبيا على استكمال بناء السد الذي أثار قلق القاهرة والخرطوم. وتميل مصلحة مصر لبقاء البرهان للحفاظ على اتفاقياتها حول النيل مع إثيوبيا.
بالطبع تخشى مصر من الفوضى في السودان. خاصةً أن الفوضى قد تكون بيئة مناسبة لإثيوبيا لاستئناف العمل في سد النهضة. وعلى الرغم من رغبة القاهرة في الحفاظ على الهدوء والتواصل مع كلا الجانبين للضغط من أجل وقف إطلاق النار. إلا أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا واجه حليفها البرهان الهزيمة.
من جهة أخرى فإن دول جوار السودان في غالبيتها تشهد اضطرابات داخلية بشكل نسبي. وتخشى من تدفق اللاجئين إليها. فتشاد وليبيا وجنوب السودان وغيرها وصلها حتى الآن عشرات الآلاف من النازحين. وتخشى هذه الدول انتقال الصراع إليها. خاصةً أنه يحمل في جوانبه نزعات قبلية. وقبائل السودان لها امتدادات في دول الجوار.
أما على مستوى دول الخليج العربي فإنها تنظر بقلق للصراع. خاصةً السعودية التي تخشى تأثير الصراع على استقرار الملاحة في البحر الأحمر. وبشكل عام فإن السعودية والإمارات تربطهما علاقات جيدة بقوات الدعم السريع. والتي استفادت من جهودها في اليمن وليبيا. وعلى الرغم من هذه العلاقات إلا أنه لا مصلحة لها في تأجيج الصراع.
من ناحية أخرى تسعى الإمارات لزيادة استثماراتها في السودان. خاصةً في مجال الذهب. بالتعاون مع قائد قوات الدعم السريع “حميدتي”. فهزيمته قد تؤثر على استثماراتها. لذلك قد يكون لها مصلحة في عدم هزيمته. لذلك فهي تفضل حلا سلميا يحافظ على نفوذ “حميدتي”.
في الواقع يعد المشهد الدولي في السودان أعقد مما يبدو. فعلى الرغم من عدم وجود تدخل سافر. إلا أن المصالح الدولية متباينة للغاية. ما قد يؤثر على إطالة أمد الصراع. فأوروبا ترغب باستقرار السودان. فأي صراع جديد في القارة السمراء سيعني تدفق المزيد من اللاجئين عن طريق البحر المتوسط إليها.
وعلى الرغم من مصلحة أوروبا في استقرار السودان. إلا أنها لا تريد لهذا الاستقرار أن يتم على حساب قوات الدعم السريع. فهناك علاقات معلنة وسرية بين الاستخبارات الأوروبية وبين حميدتي. وتهدف لدعمه في ضبط الحدود. ومنع دخول المهاجرين غير الشرعيين إلى السودان ولاحقاً إلى أوروبا. خاصةً في ظل مرونة قواته في التعامل مع ضبط الحدود.
تبدو العلاقات بين “حميدتي” وأوروبا ظاهرة. خاصةً مع إيطاليا التي وجه لها الشكر عدة مرات. لدعمها اللوجستي لقواته وتقديمها خدمات التدريب. لكن أوروبا في ذات الوقت تنظر بقلق لتقاربه مع موسكو. لذلك ترغب بصراع يعرقل مصالح موسكو ولا يقضي على قوات الدعم السريع.
أما فيما يخص روسيا فلها مصالح استراتيجية في السودان. فقوات “فاغنر” تعد حليفاً مهماً لقوات “الدعم السريع”. وتتعاون معها في تجارة الذهب بشكل غير شرعي. فموسكو لا ترغب بوجود سلطة شرعية قوية في السودان. بل ترغب بفوضى تعزز من سيطرتها على تجارة الذهب. كما أنها تخطط لإنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر.
القاعدة البحرية الروسية من المخطط أن تكون في ميناء بور سودان. على طريق تجاري مهم لشحنات الطاقة لأوروبا. وإنشاء هذه القاعدة مرهون ببقاء نفوذ “حميدتي”. وفي ذات الوقت لا ترغب بانتصاره. فالتجارة غير الشرعية تتناسب مع الفوضى العسكرية والسياسية.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فتمتلك تاريخًا طويلًا من العقوبات على السودان. لكن هذا الموقف تغير بعد إقامة السودان علاقات مع إسرائيل عام 2020م. أما بشأن الصراع فإن الولايات المتحدة ترى في الفوضى عامل ضغط على السعودية وتهديدًا للتجارة الدولية فيه. ما يجعله عامل ضغط على السعودية في ظل توتر العلاقات بينها وبين أمريكا.
كما أن تراجع الدور الأمريكي في الخليج العربي لصالح الصين. وإن كان بشكل نسبي. يدفعها للبحث عن نقاط ضغط جديدة على الدول الخليجية. وقد يكون الصراع في السودان أحد عوامل الضغط هذه.
من المتوقع أن تقتصر الجهود الدولية على التحركات الدبلوماسية بدون ضغوط اقتصادية كالتي يمارسها الغرب عادةً. فقوات الدعم السريع تعتمد على تجارة المعادن النادرة والموارد الطبيعية. وتمتلك حيازات كبيرة من الماشية والذهب. كما تلقت دعماً مالياً من الخليج مقابل قتالها في اليمن.
في المقابل يسيطر الجيش على جزء كبير من الاقتصاد. ويمكنه أيضًا الاعتماد على رجال الأعمال في الخرطوم لدعمه. وسيحاول كل طرف ممارسة الضغط الاقتصادي على الآخر. فسيسعى الجيش للسيطرة على مناجم الذهب وطرق التهريب. وستحاول قوات الدعم السريع قطع طرق النقل الرئيسة.
وعلى الرغم من كثرة الوسطاء مثل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر ودول الخليج والاتحاد الإفريقي ودول شرق إفريقيا. إلا أن تدخلهم قد يجعل جهود السلام أكثر تعقيداً من الحرب نفسها. لا سيما في ظل تضارب المصالح والأجندات.
المشكل أن المنتصر في القتال سيكون الحاكم الفعلي للسودان. فيما يواجه الخاسر النفي أو الاعتقال أو الموت. وهو ما يعني أن الصراع حياة أو موت للطرفين. ما قد يؤدي لتحوله لحرب أهلية طويلة الأمد تنتهي بتقسيم السودان مرة أخرى إلى إقطاعيات متنافسة.