مشاركة

بينما تتحرَّك مساعي السلام في أوكرانيا بخطوات حَذِرة، يبدو أن أسواق السلع العالمية تستعدّ لمرحلة أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه. في حال عادت الإمدادات الروسية وفق الاتفاق المحتمل، فهذا لا يعني بالضرورة عودة المشهد كما كان، بل بداية اختبار جديد لتوازنات الطاقة والمعادن والحبوب، واختبار مُوازٍ لمدى قدرة العالم على تجاوز اختلاف المواقف بين واشنطن وبروكسل وموسكو.

في عُمق الصورة أيّ تهدئة حقيقية قد تدفع بعض الإمدادات الروسية للعودة تدريجيًّا، وهو ما قد يضغط على أسعار النفط والغاز والمعادن نزولًا. لكنّ هذا لا يُترجَم تلقائيًّا إلى استقرار؛ لأن عامل العقوبات سيبقى أكبر مُتغيّر غير قابل للتنبؤ. السوق يُدرك أنّ تخفيف القيود الاقتصادية قد يكون انتقائيًّا خاضعًا لصفقات سياسية وليس مسارًا فنيًّا واضحًا، ما يجعل المستثمرين مترددين في اعتبار أيّ انخفاض في الأسعار اتجاهًا دائمًا.

في المقابل، أوروبا التي أعادت هيكلة منظومة الطاقة خلال العامين الماضيين، لن تعود ببساطة إلى اعتمادها القديم على روسيا، حتى لو فتحت أبواب السلام. هذا يعني أن شبكة الإمداد العالمية لن تعود إلى شكلها التقليدي، بل ستدخل مرحلة هجينة تجمع بين مصادر متعددة وأسواق فورية أكثر حساسية وسلاسل توريد تُبنَى وتُهدَم وفق الرسائل السياسية، لا وفق منطق السوق وحده.

عامل آخر مهم هو معنويات الأسواق. التقارب السياسي قد يُقلّل من المخاطر، لكنّه لن يمحو شعور المستثمر بأن قرارًا واحدًا من أيّ طرف قد يُغيِّر الأسعار بسرعة. لذلك، حتى في السيناريو الإيجابي للتقدُّم نحو تسوية، لن يكون هناك استقرار كامل، بل استقرار مشروط يظلّ مُعرَّضًا لصدمات مفاجئة.

في النهاية، السؤال الحقيقي ليس هل يُعزّز السلام النمو العالمي، بل هل سيُتيح الإطار السياسي القادم وجود نظام تجارة يمكن التنبؤ به. بدون وضوح في مستقبل العقوبات وخرائط الطاقة الجديدة ستبقى الأسواق تتأرجح بين أمل في تحوُّل الانفراج إلى نموّ، وخوف من أن تبقى الأسعار رهينة لتقلُّبات مفاجئة لا تمنح أيّ جهة ضمان استقرار.

مشاركة