لم يتصور أحد أن اختراع المحرك البخاري في أواخر القرن الثامن عشر، سيغير الشكل السائد للوظائف، لتنتهي وظائف معهودة منذ قرون في سنوات قليلة كساعي البريد على الخيل، ويحل محلها ملايين الوظائف الجديدة في المصانع، وخطوط الإنتاج، وقطاع النقل بالسكك الحديدية.
وتمر سنوات طويلة من اعتماد مكثف على مصادر الطاقة الأحفورية كالنفطـ، ولمواجهة التحديات البيئية المتفاقمة مثل تغير المناخ ونضوب الموارد، يظهر مفهوم جديد يغير أيضاً شكل الوظائف ويبرز أخرى جديدة، وهو “الوظائف الخضراء” مفتاح المستقبل الاقتصادي والبيئي، وجزء أساسي من التحول نحو الاقتصاد الأخضر.
سواء فني تركيب ألواح شمسية، أو فني صيانة توربينات الرياح، أو مهندسو تحويل النفايات إلى طاقة، أو محلل بيئي وغيرها من وظائف “خضراء”، فإن عالمنا اليوم على أعتاب ثورة لا تقل ضخامة عن الثورة الصناعية، إنها ثورة الاقتصاد الأخضر.
واليوم، تُعد الوظائف الخضراء من بين أسرع الوظائف نموًا وأكثرها مرونة. من المتوقع أن تُصبح الطاقة الشمسية المصدر الرئيسي للطاقة في أوروبا قبل نهاية العقد، وبالتالي خلق 4 ملايين وظيفة في جميع أنحاء أوروبا بحلول عام 2050.
أما الولايات المتحدة، يتوقع أن يزداد عدد الوظائف الخضراء إلى ما يقرب من 24 مليون وظيفة، لتُشكّل 14% من إجمالي الوظائف بحلول عام 2030. فمثلاً، يتوقع أن تحقق وظائف فنيي تركيب الألواح الشمسية أعلى معدل نمو بنسبة 48%. يُعزى هذا إلى تزايد الطلب على مواد البناء الخضراء، والتي يتوقع أن تنمو حصتها السوقية بنسبة 12.7% سنويًا حتى عام 2030.
لكن لكل ثورة وجه آخر، فالتحوُّل نحو الاقتصاد الأخضر يمثل تهديداً حقيقياً للوظائف التقليدية. هنا تتبلور مشكلة فجوة المهارات البشرية. فمثلاً، تختلف مهارات عامل منجم عن مهارات فني تحويل النفايات. كما أن صناعات تقليدية كالسيارات سينخفض الطلب عليها وبالتالي بطالة متزايدة. الأمر الذي يتطلب برامج تدريبية لمعالجة هذه الفجوة ومنع تفاقمها.
إن التحول نحو الاقتصاد الأخضر ليس رفاهية كما يعتقد البعض، بل حتمية بيئية واقتصادية تفرضها التغيرات الحالية في المناخ واضطرابات الأسواق. وفي العموم، يظل السؤال المطروح هو مدى جدية الدول العربية للاقتران بهذا التحول العالمي وهل تمتلك الكفاءات البشرية اللازمة لهذا التحول