شَارِك المَقَال

حذر “النقد الدولي” في تقرير نشره في يناير 2021 من “ضبابية” مشهد الاقتصاد العالمي وسط استمرار تداعيات “كورونا” وتوقعات بموجات أخرى أو تحورات جديدة أكثر خطورة. إلى جانب تهديد آخر خطير يواجه البلدان الناشئة والنامية. حيث يكون نصيب الفرد فيها من الدخل التراكمي أقل من 22% مما كان عليه قبل الجائحة خلال الفترة بين 2020 و2022.

في الوقت ذاته توقع “النقد الدولي” في يناير 2021 نسبة نمو للاقتصاد العالمي تصل لـ5,5% بدعمٍ من بدء إنتاج وتوزيع لقاحات “كورونا”. وهي نسبة “متفائلة” للغاية. إذ إن تداعيات الجائحة أدت لانخفاض ملموسٍ في حجم الناتج القومي للاقتصادات الكبرى. وبالتالي سيمثل أي تحسن نسبة نمو مناسبة.

“النقد الدولي” يباشر الآن تحديث توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي مطلع أبريل المقبل. فيتجه لزيادتها أكثر من 5,5%. لتعكس التحفيز المالي الإضافي في الولايات المتحدة الأمريكية والتعافي الصيني الرائد بين اقتصادات العالم. حيث نجحت بكين في الوصول لمستويات النمو السابقة قبل انتشار “كورونا”.

تفاؤل “النقد الدولي” بشأن التعافي الاقتصادي العالمي يأتي استنادًا لعوامل عدّة. في مقدمتها توزيع لقاحات “كورونا” وإقرار خطط التحفيز المالي في دول مختلفة. مثل: الولايات المتحدة التي اعتمدت 1,9 تريليون دولار.

الحزم التحفيزية الضخمة التي اعتمدتها الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى مثل: ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. وكذلك اقتصادات أصغر نسبيًّا مثل: سنغافورة وهونج كونج. ستكون ذات مردود إيجابي على مسار الأداء الاقتصادي العالمي. وهو ما بدا واضحًا في انتعاش أقوى من المتوقع في الولايات المتحدة.

إقرار حزمة التحفيز الاقتصادي في الولايات المتحدة أثّر إيجابًا على معدلات التوظيف المعلنة عن فبراير 2021. فجاءت أعلى من التوقعات بعدما أضافت الشركات الأمريكية نحو 379 ألف فرصة في شهر واحد. وهو رقم أعلى بنحو 160 ألف وظيفة عن المتوقع سابقًا. وسط تفاؤل بعودة معدل التوظيف كما كان في السابق في وقت مبكر من 2022.

 

الكلمة الفصل:

على جانب آخر الكلمة الفصل في تحديد مدى التعافي الاقتصادي العالمي هي كلمة “العلم”. ومدى النجاح في إنتاج وتوزيع لقاحات فعالة تتغلب على الموجات الحالية والمستقبلية للفيروس أو أيّ تحورات جديدة قد تنشأ. فهذا دون شكّ سيؤثر إيجابًا على دفع عجلة الاقتصاد بعد إنهاء إجراءات الإغلاق الكلي والجزئي واستئناف مختلف الأنشطة الحيوية.

التوسع في تطعيم ملايين الأفراد حول العالم بلقاحات مضادة لـ”كورونا” يساعد على تعافٍ اقتصادي سريع. يعمل بدوره على خفض موازنة برامج الدعم المالي الحكومية للاقتصاد من أجل مواجهة الأزمة. وبالتالي سيتراجع الاقتراض الحكومي عبر سندات الديون السيادية في 2021 عن مستويات 2020 التاريخية بنحو 20%.

أدى دعم المالية العامة دورًا بالغ الأهمية في امتصاص قوة الضربة الاقتصادية الناجمة عن جائحة “كورونا” في 2020. لذا قد يتعين على واضعي السياسات الموازنة بين المخاطر الناجمة عن أعباء الديون الضخمة والمتزايدة والمخاطر الناجمة عن إبطاء الاقتصاد. من خلال إجراءات الضبط المالي السابقة للآوان.

لضمان توسع الاقتصاد العالمي وتحقيق معدلات نمو كبيرة تحتاج الاقتصادات المحلية -وخاصة الناشئة- لاستمرار الدعم المالي من الحكومات عبر برامج التحفيز النقدي والاقتراض من البنوك المركزية. التي تسهم في الانتعاش الاقتصادي المرغوب. دون القلق من ارتفاع معدلات عجز الموازنة وحجم الدين العام.

رغم أهمية التوصل للقاحات فعالة بشكل عام فإنه لا ينبغي إغفال حقيقة التفاوت بين الاقتصادات المتقدمة والنامية في شأن الحصول على اللقاح. فالكثير من الدول ليس لديها الموارد الكافية لإنتاج لقاح أو شرائه. أو حتى زيادة الإنفاق الحكومي على مكافحة وباء “كورونا” وتخفيف أثره الاقتصادي. خاصةً البلدان منخفضة الدخل ذات المستويات المرتفعة من الديون الخارجية.

بطء التعافي الاقتصادي العالمي ليس أمرًا حتميًّا. فبالإمكان تجنبه عبر إصلاحات هيكلية تعزز الإنتاجية مثل: تعزيز التعليم والاستثمار العام الفعال. وإعادة تخصيص الموارد بين القطاعات. وتحسين أنظمة الحوكمة والاستثمار في مشروعات البنية التحتية. واستغلالها في التخفيف من التأثيرات المؤلمة لجائحة “كورونا”. وإرساء الأسس لنمو مستدام على المدى الطويل.

شَارِك المَقَال