صدر مؤخرًا تقرير من منظمة “World Vision” و “Frontier Economics” متناولًا خسائر الحرب السورية. إلا أن هذا التقرير تضمن بعض المغالطات، كما أن بعض الإحصائيات غير منطقية وتتناقض بشكل حاد مع إحصائيات عالمية أخرى. وفيما يلي نبين أهم ما جاء في هذا التقرير، ونناقش مواطن الضعف والخلل به.
خلص التقرير المذكور لعدة نتائج، أبرز النتائج أن الخسائر الاقتصادية المحققة للحرب السورية حتى مارس 2021 تبلغ 1,2 تريليون دولار أمريكي. وفي حال توقف الحرب الآن فإن الخسائر ستستمر حتى 15 سنة قادمة. وستبلغ تكاليف هذه الأعوام 1,7 تريليون دولار، بالتالي ستكون تكلفة الحرب بين عامي (2011 و2035) 2,9 تريليون دولار.
يقول التقرير أيضًا: إن الآثار السلبية للحرب على صحة الأطفال وتعليمهم قد ترفع التكلفة إلى 3,1 تريليون دولار. علاوة على ذلك يقول التقرير: إن 55,000 طفل قتلوا بسبب العمليات الحربية. كما أن 82% من الأطفال الذين جندوا في الحرب تم وضعهم في الخطوط الأمامية للمعارك. بالإضافة إلى ذلك يقول التقرير: إن 25% من الأطفال المجندين دون سن 15 عامًا.
توصل التقرير أيضًا إلى أن كل فتاة تم اللقاء معها في شمال غرب سوريا تعيش في خوف من الاغتصاب أو التحرش الجنسي. كما يقول بأن العمر الافتراضي للأطفال في سوريا انخفض إلى 13 عام.
يحتوي التقرير على جملة مغالطات، فعلى ما يبدو أن القائمين عليه لا يميزون المعنى الدقيق للتكلفة. فالتقرير يقول إن تكاليف الحرب ستستمر بعد توقفها. وهنا لا يقدم التقرير تفسيرًا لكيفية استمرار التكاليف بعد انتهاء الحرب. وهنا كان لا بد من تقسيم التكاليف لمباشرة وغير مباشرة.
على ما يبدو أن التقرير يدمج تكاليف الحرب بتكاليف إعادة الإعمار. كما أن التقرير لم يذكر المنهجية والأسلوب الذي تم اتباعه في احتساب التكاليف، فالأرقام التي أوردها تختلف بنسبة كبيرة عن الأرقام الصادرة عن مؤسسات دولية عريقة.
مجموعة البنك الدولي قدرت خسائر الحرب السورية حتى عام 2017 بـ 226 مليار دولار. ولجنة الأمم المتحدة لغربي آسيا “الإسكوا” وبالتعاون مع جامعة “سانت أندروز” البريطانية قدرت الخسائر بـ 442 مليار دولار. وهذه الخسائر منذ بداية الحرب وحتى عام 2019.
التقرير محل الدراسة تزيد مدة دراسته عامين فقط عن تقرير “الإسكوا” ويعتبر هذين العامين من أهدأ سنوات الحرب وأقلها خسائرًا. ومن الملاحظ هنا أن الخسائر التي قدرها التقرير محل الدراسة تفوق بثلاثة أضعاف تقريبًا الخسائر التي قدرتها “الإسكوا”. من هنا يمكن التساؤل حول دقة الأرقام التي أوردها التقرير.
يدعي التقرير أن كل الفتيات التي قابلهن في شمال غرب سوريا يعيشون في خوف من الاغتصاب. ومن الملاحظ هنا أن شمال غرب سوريا يقصد بها مناطق سيطرة المعارضة السورية. لكنه لم يذكر عدد الفتيات التي قابلهن. علاوة على ذلك فإن القول بأن كل الفتيات يعيشون في خوف من الاغتصاب يعتبر مبالغة كبيرة لا مبرر لها.
فيما يخص إحصائيات الأطفال ذكر التقرير أنه تم الاعتماد على عينة مؤلفة من 400 طفل. واستنادًا على هذه العينة خرج بنتائجه فيما يتعلق بالأطفال. وهذا الأمر يدل على خلل إحصائي كبير. فالعينة صغيرة جدًّا ولا يمكن أن تكون ممثلة للمجتمع المذكور. كما أنه في علم الإحصاء هناك برامج ومعايير محددة لتحديد حجم العينة، ولم يتطرق التقرير لهذه المعايير أبدًا.
في النهاية يمكن القول بأن التقرير المذكور يتضمن مغالطات عديدة. كما يقدم نتائج اقتصادية واجتماعية بعيدة عن الواقع. وهذه المغالطات من شأنها تشويه الواقع السوري. وممّا لا شك فيه أن العديد من القرارات تتخذ بناءً على التقارير الدولية، ففي حال كانت التقارير غير صحيحة سينسحب الأمر على صحة القرارات المتخذة.
على الجهات المهتمة بالشأن السوري معالجة مثل هي التقارير المغلوطة وتفنيدها كونها تضر القضية السورية. وهنا لا بد من التأكيد على ضرورة وجود جهات سورية مختصة تستعين بباحثين وخبراء مختصين وإصدار مثل هذه التقارير. وعدم ترك الأمر بالكامل لجهات دولية خارجية.