يُعتبَر #كِتاب_نِظَام_التَّفاهَة للكاتِب #آلان_دونو من الكُتب الهامَّة الَّتي تَتناوَل ظاهِرة انْتِشار الأَشْخاص والقَضَايا والأَفْكار السَّطْحيّة على حِساب الأَفْكار الحَقِيقيّة والعَمِيقة، فهذه الظَّاهِرة ليست مَحصُورة بمُجتمَع ما، ويُمكِن القَوْل بأَنَّها غَدَت ظاهِرة اجتِماعيّة عالَميّة، ذات أثَر سَلْبيّ على الجَميع، وفيما يلي نُناقِش مُحتَوى هذا الكِتاب وإِسْقاطاته على حيَاتنا.
يَرَى الكاتِب أنَّنا “نَعِيش مَرْحلة تَاريخِيّة غَيْر مَسْبوقة تَتعلَّق بسِيادَة نِظام اجتِماعيّ أدَّى تَدْريجيًّا لسَيْطرة #التَّافِهين على صَدَارة المَشْهد العامّ الاجتِماعيّ والفِكريّ وحتَّى السِّياسيّ”، فالبِضاعَة الجَيِّدة لم تَعُد تَجِد لها أَسْواقًا، مُقابِل سَيْطرة شِبْه تامَّة للابْتِذال والرَّدَاءة، وبُعْد كَبير عن مَعايِير #الجَوْدة.
ويَقُول الكاتِب في مَوْضع آخَر: “يَلحَظ المَرْء صُعودًا غَريبًا لقَواعِد تَتَّسِم بالرَّداءة والانحِطَاط، فتَدَهْوَرت مُتطلَّبات #الجَوْدة العالِية، وغَاب الأَدَاء الرَّفِيع، وهُمِّشت مَنْظُومة #القِيَم وبَرَزت الأَذْوَاق المُنْحطَّة، فتَسيَّدت إِثْرَ ذلك شَرِيحة وَاسِعة من #التَّافِهين والجَاهِلين من ذَوِي السَّطْحيّة الفِكْريّة”.
يَرَى الكاتِب أنّ سِيَادة #نِظام_التَّفاهَة على حيَاتنا من شَأْنه تَشْكيل تهديد كبير على مُسْتقبَل البَشَريّة، ففي ظِلّ كَسَاد بِضَاعة #المُثقَّفِين الحَقيقِيّين مُقابِل رَواج بِضاعَة #التَّافِهِين، فإنَّ المَرْجعِيّة تَختَفِي وهذا ما سَيقُودنا لاحِقًا لانْتِشار أَوْسع أُفقِيًّا وعَمُوديًّا لنِظام التَّفاهَة للمَرْحلة الّتي يُسيطِر بها بِشْكل تَامّ على حيَاتنا.
لا يَحتَاج الطَّرْح الَّذي قدَّمه #آلان_دونو للكَثير من البَراهِين والأَدِلّة، فحيَاتنا اليَوْميّة مَلِيئة بالنَّماذِج الاجتِماعية الَّتي تَمْلأ الدُّنيا صَخَبًا بِدُون تَقْديم أيّ قِيمة حَقِيقيّة، فالأَمْثلة لا تَكادُ تُحْصر عن نَمَاذج التَّفاهَة الَّتي تُسيطِر على حياتنا، كتَداوُل أخْبار الفَنَّانِين وتفاصِيل زواجهم وطَلَاقهم وكأَنَّها غَدت الشُّغْل الشَّاغِل لنا.
وفي ذات النِّظام يَسْعى البعض لإِحْداث ضَجّة حوْل تَفاصِيل حياته الشَّخصِيّة كإِخْبار العالَم أجْمَع عن جِنْس مَوْلوده، وإرفاق هذا الحَدَث العادِيّ بضَجَّة تُعادِل ضَجَّة وُصُول الإِنْسان للقَمَر لأوَّل مرَّة، في حين أنَّ مُؤلَّفات عِلْميّة تَصْدر واكتِشافات تُختَرع دُون أَدْنى اهتِمام أو اكتِراث.
يُفرِّق #آلان_دونو بين الوُجُود والظُّهور، فهو يَرى أنَّ الوُجود نَتِيجة لفِعْل حقِيقيّ ذي قِيمة، ولا يُمكِن للإنسان إثْبات وُجُوده إلّا بالعَمَل الحقِيقيّ، والوُجُود حالَة دائِمة مُستمِرّة، أمّا الظُّهور فهو حالَة عَرَضيّة تَنْتج عن الضَّجِيج الإِعلامِيّ وكَثْرَة التَّداوُل، فالظُّهور هو نَتِيجة حَتْميّة للتَّفاهَة.
إنّ ما يُحاوِل #آلان_دونو قَوْله قد يَتلخَّص في مَقُولة الفَيْلسوف #مارتن_هايدغر في كِتابه #إمْبَراطوريّة_الخَيَال عندما لخَّصَ حال المُجتمَع بقَوْله “زَمَن مَوْت الثَّقافة وانتِصار الاستِعْراض” ولعلّ في القاعِدة الاقتِصاديّة “النُّقُود الرَّدِيئة تَطرُد الجَيّدة من السُّوق” ما يَتقاطَع مع كلّ هذا الطَّرْح.
إنّ #نِظام_التَّفاهَة بات حاكِما فِعليًّا لحيَاتنا، وهو لم يَكُن ليُسيطِر لولا تعاطينا معه، فهو ليس وليدَ الفرَاغ، بل هو نِتَاجٌ حقِيقيّ لانْحِدار الذَّوْق العامّ وتراجُع دَوْر المَرْجعِيّات الحقِيقيّة، فلا حلّ حقِيقيّ لهذه الظاهِرة إلَّا بإعادة الاعتِبار للمُثقَّفِين الحَقيقِيّين.
