في قلب لندن، هناك أزمة تهزّ أسواق المعادن العالمية؛ حيث تخطَّت الفضة لأول مرة حاجز الـ50 دولارًا للأونصة، والمخزون وصل لأدنى المستويات.
لندن ليست عاصمة مالية فقط، بل هي قلب تجارة المعادن النفيسة بالعالم. بورصة لندن للمعادن تتحكَّم بجزء كبير من السوق، وأيّ خلل فيها ينعكس فورًا على كلّ الأسواق. واليوم، الخلل أصبح واضحًا.
الإغلاق الجزئي للحكومة في أمريكا خلَق حالة قلق كبيرة بالأسواق. والكونجرس الأمريكي فشل في الاتفاق على ميزانية مؤقتة، وهذا ما دفَع المستثمرين للبحث عن ملاذ آمِن، وكانت الفضة إحدى الخيارات.
في الوقت نفسه، واجهت بورصة لندن أزمة سيولة قوية؛ فمخزون الفضة انخفض لمستويات حرجة، أقل من ثلث الكمية. هذا النقص أدَّى لضغط شراء كبير، خصوصًا أن الطلب الصناعي على الفضة يزيد يومًا بعد آخر.
الفضة ليست معدنًا للزينة فقط، بل هي عصب الصناعة الحديثة. من دونها، لا توجد طاقة نظيفة ولا تكنولوجيا خضراء. والتحوُّل للطاقة المتجدّدة يرفع الطلب على المعادن الأساسية، والفضة هي القلب النابض لهذا التحوُّل.
كلّ لوح شمسي يحتاج حوالي 20 غرام فضة، وكلّ سيارة كهربائية تحتاج كميات أكبر في البطاريات والدوائر الكهربائية. الطلب يرتفع، والإنتاج حاجته إلى الفضة تزيد. الشركات الكبرى مثل تسلا وBYD تستهلك كميات ضخمة من الفضة، والطلب يزيد مع كلّ سيارة جديدة.
في المقابل، مناجم الفضة لا تُنْتِج كميات كافية؛ لأن أغلب الفضة تُستخرَج كمُنْتَج ثانوي من مناجم النحاس والزنك والرصاص. وهذا ما يجعل زيادة الإنتاج عملية صعبة ومُكلّفة نوعًا ما، والفجوة بين العرض والطلب تكبر، ولذا ترتفع الأسعار بشكل طبيعي.
هنا لا بد من المقارنة مع الذهب. الفضة والذهب كلاهما يرتفع سعرهم، لكنّ الفرق أن الذهب يرتفع لأنه الملاذ الآمِن الأهم على الإطلاق، وعندما ينهار كلّ شيء يبقى الذهب، بينما الفضة يرتفع سعرها؛ لأن الطلب الصناعي عليها يزداد، لذلك فأيّ تقلُّبات في الصناعة يمكن أن تُؤثّر عليها، وهذا لا ينفي أنها يمكن أن تكون ملاذًا آمِنًا، لكنها لا تستطيع منافسة الذهب.