شَارِك المَقَال

يخبرنا التاريخ أن البارود ليس المحرك الوحيد للحروب، بل هناك أسباب أخرى تتخفى ورائها مثل لعبة الماريونيت. فمثلاً، لم يكن المماليك هم هدف نابليون بونابرت عندما غزا مصر عام 1798، بل كان الهدف الرئيسي هو السيطرة على طريق التجارة وموارد الشرق معاً.

 

وما أشبه البارحة باليوم، فقد أثبتت الأيام أن المُسيطر على المواد الخام يملك زمام القرار السياسي والاقتصادي في العالم، وهو ما أظهره الصراع الحالي بين واشنطن وبكين على المعادن النادرة، التي تدخل في صناعات حيوية، مثل: الهواتف الذكية، والصواريخ الباليستية.

 

ويهيمن سلاح المعادن النادرة على الصراع الاقتصادي بين أمريكا والصين. فمثلاً، بعد قيود واشنطن على صادرات الرقائق الذكية، ردت بكين بقيود مماثلة على تصدير الجاليوم Gallium والجرمانيوم Germanium في منتصف 2023. ورغم محاولات أمريكا إيجاد بدائل، تظل معتمدة على بكين في أكثر من 60% من وارداتها، خاصةً مع هيمنة الأخيرة على أكثر من 70% من إنتاج هذه المعادن عالمياً، و85% من معالجتها.

 

ليحل منتصف يونيو 2025، وتبدأ تظهر بَوَادر اتفاق مبدئي باستئناف بعض صادرات الصين من المعادن النادرة إلى السوق الأمريكية، المُفارقة أن ملامح الاتفاق ظهرت في سلوك السوق وليس عبر بيانات صحفية. إذ انخفضت أسعار النيوديميوم Neodymium والديسبروسيوم Dysprosium بنسبة 7% خلال أسبوع، وعادت شركات مثل “تسلا” و”أبل” إلى التعاقد مع موردين صينيين.

 

لكن هذه الهدنة لم تثني واشنطن عن البحث عن بدائل، ففي نفس شهر انفراجة الأزمة مع بكين، وقع الرئيس ترامب اتفاقيةً رئيسيةً للمعادن مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، في إطار اتفاقٍ أوسع نطاقًا لوقف إطلاق النار. والمقابل كما صرح ترامب “الكثير من الحقوق المعدنية”.

 

والكونغو تلعب دورًا محوريًا كمصدر للمواد الخام، فهي أكبر منتج للكوبالت بحوالي 70% من الإنتاج العالمي. كما تمتلك نحو 60% من احتياطيات العالم من الكولتان، وهو معدن أساسي لتصنيع المكثفات المستخدمة في الهواتف الذكية والمركبات الكهربائية وغيرها من الأجهزة الإلكترونية.

 

رغم هذا الاتفاق، فإن نقطة الضعف الواضحة لدى واشنطن تكمن في مرحلة المعالجة والتكرير. فمع هيمنة الصين على الغالبية العظمى من قدرة المعالجة العالمية للعناصر النادرة، تصبح واشنطن حتى في حالة إيجاد بدائل في حاجة مستمرة لمعالجة وتكرير هذه العناصر النادرة.

 

إذاً الهدنة الحالية بين الخصمين اللدودين هي استراحة تسبق العاصفة، وكما يقول المثل العربي “الهدنة بين الخصوم لا تعني نسيان العداوة، بل ترتيب الصفوف من جديد”، فالمنافسة بين الصين وأمريكا لم تنتهِ وإنما دخلت مرحلة أكثر تعقيداً وغموضاً!

 

شَارِك المَقَال