قبل كل شيء ساهمت مجموعة من الملفات السياسية والاقتصادية والصحية والأمنية في تأزم العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والعملاق الآسيوي “الصين”. وخرجت العلاقات بينهما عن حد التنافس على الزعامة الدولية خلال السنوات الأخيرة، نتيجة لذلك نشبت حرب باردة بين الطرفين تبادلا خلالها الاتهامات والعقوبات الاقتصادية. والسؤال هنا: هل تكون القمة الأمريكية- الصينية الخطوة الأولى في جهود منع الحرب “الساخنة” بين الطرفين؟
بصفة عامة لم تتوقف حدة التوترات بين البلدين على هذه الملفات السابقة فقط. بل كان يُضاف إليها باستمرار ملفات أخرى تؤدي إلى تعقُّد الأمور أكثر فأكثر. وتنذر بتحول الحرب الباردة إلى حرب ساخنة على أرض الواقع. فكان لابد من وقفة للطرفين لتقييم الأمر ومنع حدوث ذلك.
حالياً تمثلت الوقفة في اجتماع الرئيسين الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينغ في قمة افتراضية -القمة الأمريكية الصينية-. خصوصًا لمناقشة وجهات النظر والآراء وبحث قضايا الخلاف بينهما ومحاولة منع تطورها إلى نزاع عسكري.
لكن الطرفين استبقا التنبؤات العالمية. وأكدا أنه رغم أهمية هذا اللقاء إلا أنه من غير المنتظر التوصُّل إلى نتائج مهمة وملموسة. أي أنه مجرد فرصة تمهيدية للطرفين لفهم المواقف وإبداء وجهات النظر بوضوح وصراحة. بما يساعد على وقف المزيد من تدهور العلاقات بينهما في المستقبل.
في الواقع تنظر الولايات المتحدة للتنافس مع الصين على أنها مسألة أمن قومي من الدرجة الأولى. بينما بكين ترى أن واشنطن تقود تحالفات أمنية واقتصادية مع الغرب بهدف حصارها وكبح علاقاتها مع باقي الدول وخاصة في إفريقيا والشرق الأوسط.
بالإضافة إلى ذلك هناك الكثير من الملفات الشائكة بينهما. مثل الطموحات النووية المتزايدة للصين. وسرعة تطوير قدراتها النووية الصاروخية. حيث تتهمها وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” في تقرير صدر أخيراً بشأن القوة العسكرية الصينية بقُرب الحصول على نحو 1000 رأس نووية بحلول 2030.
علاوة على ذلك هناك اتهامات لبكين بشنّ حرب سيبرانية من خلال شبكات الجيل الخامس للتجسُّس على الدول. زيادة على حقيقة الدور الصيني في نشأة فيروس “كورونا”. حيث اتهمت الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب الصين بالمسؤولية الكاملة عن نشأة ونشر الفيروس بهدف إحكام السيطرة على العالم صحيًّا واقتصاديًّا. مع نفي بكين لكل هذه الادعاءات.
بالإضافة إلى ذلك هناك انتقادات أمريكية أيضًا للصين بشأن انتهاك حقوق الإنسان في شينغيانغ والتيبت وهونغ كونغ. علاوة على الخلافات الإقليمية بين الصين وحلفاء الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى هناك ملف تايوان تلك الجزيرة الآسيوية الصغيرة التي تُدار بالحكم الذاتي مدعومة من الولايات المتحدة والغرب. في حين تُصِرّ بكين على أنها جزء من الدولة الصينية لن تتخلى عنه. وتمارس من أجل ذلك الكثير من الضغوط العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية المتواصلة على إدارة تايوان.
بصفة عامة تُبدي الصين صرامة أكثر من اللازم فيما يتعلق بموقفها إزاء هذه الملفات. رغم موافقتها على القمة الرئاسية وإبدائها الرغبة في التعاون مع الإدارة الأمريكية الجديدة. لكن هناك نقاط ضعف كثيرة تسيطر عليها واشنطن وتؤرق مضجع بكين.
بصورة شاملة تسعى الصين لرفع جميع العقوبات الاقتصادية على شركاتها ومسؤوليها. وإلغاء التعريفات الجمركية العقابية وإلغاء حظر التأشيرات. وإنهاء قيود تصدير التكنولوجيا الأمريكية الفائقة إليها.
أما إدارة بايدن فترغب في إظهار المزيد من التفوق مقارنةً بالإدارة السابقة. زيادة على التأكيد على نجاح خطة بايدن الدبلوماسية والاقتصادية في كبح النفوذ الصيني دون خسائر كبرى. وهذا يساعد على تحسين شعبيته الداخلية المنهارة بالفعل في الولايات المتحدة.
في نهاية المطاف ينبغي السعي لوقف شبح الحرب “طويلة الأمد” الذي يخيّم على مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية. وفي الوقت نفسه عودة الهدوء بينهما من جديد. وهذه خطوات مهمة وضرورية للتكاتف الدولي أمام الكثير من القضايا الإنسانية الملحة.
على وجه التحديد بغير التعاون الجاد والصادق بين هذين القطبين فلن يُمكن أن نخطو خطوة للأمام في حل أزمات عديدة. مثل التغير المناخي وجائحة “كورونا” ونقص مصادر الطاقة ونقص الغذاء وارتفاع الأسعار. وستبقى تداعيات هذه الأزمات تؤرقنا جميعًا على هذا الكوكب.