تشير الوقائع الاقتصادية والسياسية التي أعقبت زلزال 6 فبراير إلى تغير واضح في البرامج الانتخابية للأحزاب التركية. حيث تراجع التركيز على قضايا الليرة والتضخم واللاجئين السوريين. وتصاعد التركيز على التعامل مع تبعات الزلزال. وحتى الآن لم تتمكن المعارضة من تسويق نفسها كهيئة سياسية قادرة على إدارة الدولة. ولا حكومة العدالة والتنمية تمكّنت من إقناع الشارع التركي بتعاملها مع تبعات الزلزال.
في زلزال مرمرة 1999م فقد الناخب التركي ثقته بحكومته. وهو ما أدى لتداعيات سياسية تمثلت بتراجع شعبية الأحزاب العلمانية وارتفاع شعبية الأحزاب الأخرى. وهو ما أدى بشكل غير مباشر لصعود شعبية العدالة والتنمية بعد تأسيسه عام 2001م. وفي الزلزال الحالي تسعى حكومة العدالة والتنمية لعدم الوقوع في الخطأ الذي ارتكبته الحكومة عام 1999م.
في 17 أغسطس 1999م وقع زلزال مرمرة المدمر في تركيا. والذي أسفر عن مقتل أكثر من 17 ألف شخص. مع خسائر اقتصادية فادحة. لكن آثار الزلزال تجاوزت ذلك ليكون لها آثار سياسية. وذلك نتيجة ضعف استجابة الحكومة التركية آنذاك.
خسارة الأحزاب العلمانيَّة وصعود حزب العدالة والتَّنمية بعد زلزال 1999م حدث نتيجة سببين رئيسين. الأول عدم إدارة الكارثة بفاعلية. ومما زاد الوضع سوءاً أن الاقتصاد التركي كان يواجه تحديات خطيرة. إضافةً للفساد الإداري والمالي في مؤسسات الدولة. وهذا ما أثر سلباً على الوضع الاقتصادي للأتراك.
بالإضافة إلى ذلك فإن الآثار الاقتصادية والإنسانية لزلزال عام 1999م وضعف استجابة الحكومة آنذاك أدى لزعزعة ثقة الناخب التركي بالأحزاب العلمانية.
السبب الثاني للآثار السياسية لزلزال 1999م هو أن التيار الإسلامي تمكن من تقديم وجه جديد قادر على إدارة الدولة. ممثلاً برجب طيب أردوغان الذي قام عام 2001م بتأسيس حزب العدالة والتنمية. والذي كان جاهزاً لإدارة الدولة. في الوقت الذي أثبتت به الأحزاب العلمانية عجزاً واضحاً.
في ظل التداعيات الاقتصادية والإنسانية لزلزال 6 فبراير. تدور تساؤلات حول فيما إذا كان سيناريو زلزال 1999م سيتكرر. من خلال استغلال المعارضة لتداعيات الزلزال. والتمكن من الفوز على العدالة والتنمية في الانتخابات الرئاسية المرتقبة.
ظهرت التداعيات السياسية للزلزال من خلال عدة مستويات. أولها تغير البرامج الانتخابية للأحزاب. حيث تراجع التركيز على قضايا الليرة والتضخم واللاجئين السوريين. وأصبح التركيز منصباً على قضايا إعادة الإعمار والتعامل مع تبعات الزلزال.
كما أن الخطاب السياسي للأحزاب التركية تغير أيضاً. فحزب العدالة والتنمية بات يركز في خطاباته على الدعم الاقتصادي للمتضررين. وإعادة تأهيل المنازل. وهذا ما ينسحب على أحزاب المعارضة. فلم تعد تنتقد الأداء الاقتصادي للعدالة والتنمية. بل باتت تنتقد أداء الحكومة في التعاطي مع الزلزال. وتتهمها بالتهاون في مراقبة التزام المقاولين بشروط البناء.
في الواقع تبدو الظروف مختلفة بين زلزال مرمرة 1999م والزلزال الأخير. فالمعارضة التركية لم تتمكن حتى الآن من تقديم وجه سياسي قادر على قيادة الدولة. ولم تقدم برنامجاً سياسياً واضح المعالم يتمكن من استقطاب الناخب التركي. إضافةً للتصدعات المستمرة في التحالفات السياسية المعارضة.
من جهة أخرى تبدو المعارضة التركية منقسمة إلى حد كبير. فمع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والذي تم تثبيته في 14 مايو. لم تتمكن المعارضة حتى الآن من اعتماد تحالف ثابت. فهناك تشتت سياسي واضح.
فانسحاب ميرال أكشنار زعيمة حزب الجيد من تحالف المعارضة وعودتها من جديد. إضافةً لخلافات أخرى بين أحزاب النصر والبلد. هذه الخلافات الحادة تشير إلى أن المعارضة التركية لا تتمكن من إدارة شؤونها. وهذا ما يضعف ثقة الناخب التركي بها. كما أن الشارع التركي المعارض منقسم على شخصية المرشح المعارض.
إضافةً إلى ذلك فإن انضمام كل من أحمد داوود وعلي باباجان إلى تحالف المعارضة. واللذان كانا في وقت سابق من حلفاء أردوغان يعطي انطباعاً عاماً بأن تحالف المعارضة يعتمد أسلوباً قائماً على مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”. إضافةً لأن الخلاف الشخصي بين داوود وباباجان مع أردوغان لا يبرر تحالفهما مع خصومه. على الأقل من وجهة نظر الشارع التركي.
أما فيما يتعلق بتأثير الزلزال على حظوظ العدالة والتنمية على الفوز في الانتخابات. فإن حظوظه قد تراجعت نسبياً. فإدارة الحكومة للأزمة لم تكن بالشكل الأمثل. ومما زاد من تعقيد ظروفها حجم الخسائر الكبيرة. خاصةً أن عدد الضحايا تجاوز 45 ألفاً. وهذا ما شكل تحدياً خطيراً. إضافةً لاتهامات بالتقصير في الإشراف على التقيد بمعايير سلامة البناء.
إضافةً إلى ذلك فإن الدعم الدولي المقدم لتركيا كان متواضعاً مقارنةً بحجم الكارثة. وهذا ما يمكن تفسيره بأنه من نتائج العلاقات المتوترة بين تركيا والعديد من الدول الغربية. وهذا ما يتم تحميل حكومة العدالة والتنمية المسؤولية عنه. هذا كله يترافق مع ضغوط اقتصادية وملفات أخرى تضغط على العدالة والتنمية.
في النهاية وعلى الرغم من الضغوط المرتفعة نسبياً التي تواجه الرئيس أردوغان إلا أن وضع حزبه يعد أفضل من وضع التحالف المعارض. ولكن وبشكل عام فإن تبعات الزلزال أدّت لخلط أوراق الانتخابات. ويمكن وصف المشهد العام بأنه ضبابي. فلا وجود لتفوّق واضح لتيار على آخر.