أدت الحرب في سوريا لانهيار شبه كامل في البنية التحتية. وتأثر قطاع الطاقة بشكل كبير. حيث طالت الأعمال العسكرية الكثير من محطات الطاقة الكهربائية. والآن تعاني مختلف مناطق سورية من نقصٍ حاد في الطاقة وتلبية الطلب المحلي على مواد التدفئة والوقود. والسؤال هنا: هل تُشكّل الطاقة البديلة حلاً لأزمة الطاقة في سوريا؟
قبل اندلاع الثورة كانت دمشق منتجاً رائداً للغاز الطبيعي والنفط في الشرق الأوسط. وكان قطاع الطاقة مساهماً بربع الدخل الحكومي. بعد فداحة الخسائر الناتجة عن الأعمال العسكرية وتزايد العقوبات الغربية على حكومة النظام. لا سيما في ظل قانون قيصر. بلغ العجز في مجال الطاقة خاصة الكهرباء حداً خطيراً للغاية.
في الواقع تعتبر سوريا متأخرة للغاية في مجال الطاقة البديلة. فحتى قبل الحرب لم تمنح حكومة النظام أي أهمية تُذكر لهذا القطاع على الرغم من تصاعد انتشاره عالمياً. فالاكتفاء الذاتي من الطاقة قبل 2011م هو سبب تراجع الاهتمام بهذا القطاع الحيوي.
حتى بعد دمار قطاع الطاقة وخروج منابع النفط والغاز عن سيطرة النظام بقي هذا القطاع بعيداً عن اهتمام حكومة النظام. ومما عزز هذا الأمر إصرار النظام على استمرار احتكاره قطاع الطاقة. فحتى في حال وجود نية للأفراد أو للمستثمرين لدخول هذا المجال. فإن التعقيدات والحواجز الحكومية حالت دون وجود مشاريع له.
مع تزايد العجز في تأمين الكهرباء والوقود للمؤسسات وللأفراد تنازلت الحكومة عن احتكار الطاقة. فمنحت تراخيص جديدة لتوليد الكهرباء من الطاقة المتجددة في السويداء وحماة وطرطوس وريف دمشق. بقيمة إنتاجية متوقعة نحو (1.5 ميغاوات) من الطاقة الشمسية. و7 ميغاوات من الرياح في حمص.
في الواقع وعلى الرغم من وجود عدة استثمارات جديدة في هذا المجال. إلا أن إنتاجيتها متواضعة للغاية. وعاجزة عن إحداث فرق حقيقي على الأرض. فالعجز في قطاع الطاقة يبلغ أكثر من 4,000 ميغا وات. والإنتاج الحالي من وحدات الطاقة البديلة لا يتجاوز 9 ميغا وات. فالهوة واسعة جداً بين العجز والإنتاجية.
وضعت حكومة النظام السوري مؤخراً هدفاً استراتيجيّاً لإنتاج نحو 30% من الطاقة باستخدام مواردها المحلية للطاقة المتجددة بحلول 2030م. وبدأت بالفعل عملية انتشار مصادر الطاقة النظيفة في البلاد. بما في ذلك إنتاج وتركيب مصادر بديلة لتوليد الكهرباء (رياح/شمس/وقود حيوي) وخاصةً توربينات الرياح.
إن رغبة حكومة النظام في اعتماد سياسة الاعتماد على الطاقة البديلة جاءت متأخرة. فمشاريع الطاقة البديلة تحتاج لوقت طويل نسبياً لإحداث فرق في الإنتاجية. لا سيما أن الطاقة الإنتاجية للوحدة الواحدة منخفضة ناهيك عن الصعوبات الذاتية والموضوعية في سوريا لافتتاح هكذا مشاريع. وعلى رأسها التعقيدات الإدارية وصعوبة تأمين المستلزمات من الخارج في ظل العقوبات.
تنتشر ألواح إنتاج الطاقة الشمسية بشكل متفاوت خاصةً في الأماكن التي تتطلب استمرار التيار 24 ساعة يوميّاً مثل المستشفيات. وتنتشر بصورة أقل في البيوت والمتاجر. وتوجد بشكل ملحوظ في مناطق إدلب وريف حلب التي يغيب عنها التيار الحكومي منذ أكثر من خمس سنوات بعد تدمير محطتي “زيزون” و”الزارة”.
يتعزز نجاح الطاقة البديلة في سوريا بعوامل عدة. منها أنها من أغنى 10 دول عالميّاً في تنوع المصادر المتجددة. حيث تملك 56 ألف كم² لإنتاج الطاقة الشمسية بشدة سطوع 5 كيلو وات/المتر² وأيام سطوع +300 يوم في العام. ومساحة مماثلة لطاقة الرياح من إدلب وحلب والسفوح الشرقية لجبال الساحل.
في الحقيقة تنتشر وبشكل سريع ثقافة الطاقة البديلة في سوريا مدفوعة بعجز حكومة النظام عن توفير الطاقة. إلا أن تدني مستوى الدخل بشكل حاد يمنع غالبية الأفراد من الاعتماد على هذه السياسة. فتكلفة إنارة البيت الواحد اعتماداً على الطاقة البديلة يحتاج لدخل الموظف الحكومي لأكثر من ثلاثة أعوام!
بصفة عامة نتج عن انخفاض الدخول وغياب معايير الجودة والحماية الحكومية انتشار مستلزمات طاقة بديلة منخفضة الجودة. وهو ما يعتبر عاملاً سلبياً لانتشار هذه الثقافة على المدى المتوسط. خاصةً أن منظومات الطاقة البديلة الحالية تعاني من أعطال عدة. وهو ما يسبب هدراً لرأس المال الوطني وهدراً لمدخرات الأفراد ويسبب نفوراً شعبياً منها.
من التحديات الأخرى أن ألواح إنتاج الطاقة الشمسية المعروضة للبيع في مناطق سيطرة حكومة النظام. ويأتي الجزء الأكبر منها ضمن شحنات استيراد رسمية برسوم جمركية 1% تقريباً حسب التعرفة الجمركية الرسمية. لكن “الإتاوات” التي تُفرض على التجار والمستوردين تزيد من سعر التكلفة على المواطنين.
هناك اعتبارات أخرى “فنية” قد تساهم في فشل ترسيخ تكنولوجيا الطاقة البديلة في سوريا. أبرزها: ضعف الخبرات البشرية المسؤولة عن إدارة وتشغيل محطات الطاقة المتجددة. مع وجود صعوبات مادية وأمنية في جذب مستثمري القطاع الخاص لهذا المجال وسط ضبابية الرؤية السياسية المستقبلية للبلاد.
على أرض الواقع تبقى مساهمة الطاقة البديلة (رياح وشمس ووقود حيوي) في قطاع الطاقة الكلي متواضعة للغاية. فلم تتجاوز نسبتها 5.5%. لذلك حتى الآن لم يتحول استخدام الطاقات البديلة إلى “ظاهرة مجتمعية” في الشارع السوري. بل يقتصر وجودها وسط فئات الأثرياء والمقتدرين اقتصاديّاً.
حتى في عالم رجال الأعمال والمتسلقين الذين تكسبوا من الحرب لم تتحول مشاريع إنتاج الطاقة البديلة لـ”ظاهرة اقتصادية” جادة. حتى يمكن استغلالها -سواء في الحاضر أو مستقبلاً- من أجل دفع واقع الطاقة الراهن المتدهور على الصعيد العام. فضلاً عن إنقاذه من حالة التردي الشديد الذي يشهده منذ نشوب ثورة 2011م.
في الحقيقة قد تُصاب مشاريع الطاقة البديلة في سوريا بنكسة في حال التوصل لحل سياسي للقضية السورية. وفي حال عودة إمدادات النفط والغاز. فحتى الآن في سوريا يُنظر للطاقة البديلة على أنها حل إسعافي مؤقّت ينتهي بانتهاء الحاجة له. وذلك مع توافر الطاقة الكهربائية المتولدة من المحطات الحرارية.
في النهاية إن العالم أجمع -وحتى في الدول المكتفية ذاتياً من الطاقة- يسعى لتعزيز واقع الطاقة البديلة. لذلك لا بد من التعامل مع مشاريع هذه الطاقة كأولوية استراتيجية. وهذا الأمر مناط بالجهات الحكومية الراسمة للسياسة الاقتصادية للبلاد.