من جديد، تعود لعبة الشروط والرسائل بين واشنطن وموسكو إلى الواجهة، لكنْ هذه المرة تحت ضغط تصاعدي يعكس عمق الأزمة. إلغاء “قمة المجر” بين الرئيسين ترامب بوتين لم يكن مجرد تعثُّر في التوقيت، بل إشارة إلى صراع إرادات حول مَن يملك حق صياغة معادلات الحرب والسلام في أوكرانيا.
في ظاهر المشهد، تُبرِّر واشنطن قرار الإلغاء بتشدُّد موسكو وتمسُّكها بمكاسب من الأراضي الأوكرانية ومطالبتها بضمانات بعدم انضمام كييف للناتو. لكن في العُمْق، الرسالة الروسية كانت أبعد من ذلك: الكرملين لا يريد لقاءً شكليًّا، بل تفاوضًا بشروطه.
التحرُّك الروسي يبدو اختبارًا مبكِّرًا لمدى قدرة ترامب على الموازنة بين وعوده الانتخابية وضغوط الداخل الأميركي، ومعرفة إن كان مستعدًّا لترجمة شعارات “إنهاء الحرب” إلى أفعال. أما إلغاء القمة، فليس نهاية الطريق، بل خطوة محسوبة لإعادة ترتيب المواقف قبل أيّ مفاوضات قادمة.
في المقابل، يُظْهِر ترامب اندفاعًا أقل نحو التقارب الذي تحدَّث عنه سابقًا. تصريحاته بأن “الوقت غير مناسب” تعكس حسابات دقيقة؛ إذ يدرك أن أيّ إشارة لتنازل أمام موسكو ستُستخدَم ضده سياسيًّا في واشنطن. لذلك يُفضِّل انتظار لحظة تمنحه أوراق ضغط أوضح عبر موقف أوكرانيا الميداني، ما يظهر من خلال التلويح بتزويد كييف بصواريخ توماهوك.
ما يجري اليوم ليس أزمة دبلوماسية عابرة، بل مرحلة جديدة من شدّ الحبل بين واشنطن وموسكو لتثبيت توازن جديد بعد ثلاث سنوات من الحرب. موسكو تراهن على عامل الوقت واستنزاف الغرب، بينما تراهن واشنطن على إنهاك الاقتصاد الروسي واستمرار العزلة.
القمة أُلغيت على الورق، لكنّها ما زالت حاضرة في الحسابات. والمعركة انتقلت من الميدان إلى الطاولة، ومن تبادل النار إلى اختبار الإرادة.