شَارِك المَقَال

يتَّخذ الصراع الأمريكي الصيني طابعًا اقتصاديًّا في جوهره، لكنّه يتَّسع ليشمل التكنولوجيا، لا سيما الذكاء الاصطناعي، باعتباره سلاح المستقبل. فمَن يمتلك زمام التكنولوجيا، يسيطر على الاقتصاد، ويفرض نفوذه في السياسة والأمن والعلاقات الدولية، بل ويُعيد تشكيل النظام العالمي.

 

بعد نهاية الحرب الباردة وهيمنة الولايات المتحدة على العالم، امتلكت واشنطن السيطرة الكاملة على الإنترنت والتقنيات الحديثة، بينما كانت الصين تعتمد على استيراد التكنولوجيا. لكن مع بداية الألفية، بدأت “بكين” تُدرك أن المستقبل مرهون بالتطور التكنولوجي، فسمحت للشركات الأجنبية بدخول السوق الصينية، شريطةَ نقل التكنولوجيا إلى الداخل، ما أسهم في تسريع النمو التقني في البلاد.

 

التحوُّل الكبير حدَث في العقد الأخير، مع بروز الذكاء الاصطناعي بوَصْفه مُحرِّكًا جديدًا للاقتصاد العالمي، ووسيلة لإعادة توزيع مراكز القوى. لم تَعُد المعركة تدور حول النفط أو الممرات البحرية، بل بات التنافس حول امتلاك تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الاقتصاد والحرب والإدارة. ويتوقع أن تكون الدول الأقوى مستقبلًا هي التي تُحقِّق الريادة في هذا المجال.

 

وتشير الأرقام إلى أن أمريكا تتصدَّر الاستثمار العالَمي في الذكاء الاصطناعي، بنحو 470 مليار دولار، تُمثّل نصف الاستثمارات العالمية، فيما بلغت استثمارات الصين نحو 119 مليار دولار. وبحلول 2030، يُتوقع أن تصل قيمة الاستثمارات إلى 15 تريليون دولار، متجاوزة أيّ قطاع آخر في العالم؛ من حيث حجم التمويل والأهمية الإستراتيجية.

 

الصين لا تُخفي طموحها التكنولوجي، فأطلقت مبادرة “صُنع في الصين 2025” لتطوير التكنولوجيا، ووضعت عام 2017 “الخطة الوطنية للذكاء الاصطناعي”. في المقابل، ردَّت أمريكا عبر قانون CHIPS الذي خصص 280 مليار دولار للاستثمارات التقنية، منها 106 مليارات للذكاء الاصطناعي.

 

في هذا المجال يُعدّ وادي السيليكون نقطة التفوُّق الأمريكي، ليس فقط في البحث العلمي، بل كأداة إستراتيجية في الصراع مع الصين. ولهذا السبب تعمل بكين على تطوير مدينة “شنتشن”، المسماة “وادي السيليكون الصيني”، باستثمارات تفوق 100 مليار دولار.

 

الحرب التجارية بين الطرفين كشفت أيضًا عن البُعد التكنولوجي للصراع، فقد منعت واشنطن تصدير البرمجيات المتقدمة إلى الصين، وردَّت بكين بحَظْر تصدير المعادن الأرضية النادرة، التي تحتكر 92% من إنتاجها العالمي، وهي ضرورية لصناعة التكنولوجيا.

 

حتى التحالفات الدولية باتت تتشكل بناءً على التكنولوجيا، كما في العلاقة الأمريكية الهندية التي تهدف إلى إبعاد نيودلهي عن بكين. في المقابل، حلفاء الصين مثل روسيا لا يُشكّلون دعمًا نوعيًّا في هذا المجال.

 

في النهاية، لا يمكن الجزم بمَن سينتصر، لكنّ المؤكد أن الذكاء الاصطناعي أصبح ساحة الصراع الأولى، وأن مستقبل النفوذ العالمي سيتحدد بناءً على مَن يمتلك العقول والخوارزميات، وليس فقط الموارد التقليدية.

شَارِك المَقَال