في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، خرج الدولار ليس كعُمْلة فقط، بل كقائد للنظام المالي الدولي، كان ذلك في مؤتمر “بريتون وودز” عام 1944، حين اتفقت الدول الكبرى على أن تربط العملات العالمية بالدولار، والدولار بالذهب، ومنذ تلك اللحظة صار لكل شيء ثمنه بالدولار؛ النفط، القمح، وحتى الحرب.
اليوم ونحن في منتصف عام 2025، يبدو أن الدولار يُواجه تحديات متزايدة، عُملات عديدة تَصْعد بقوة، وربما تُشكِّل تهديداً لمكانة الدولار، وعلى رأسها اليورو.
في 6 أشهر فقط تضخَّمت تَدَفُّقات الاستثمارات إلى أوروبا إلى أكثر من 100 مليار دولار، وخلال شهر يونيو وحده، سجَّل اليورو مكاسب استمرت لتسعة أيام متواصلة أمام الدولار، وهي أطول سلسلة ارتفاع منذ بداية الألفية.
هذ الواقع الجديد يطرح تساؤلات حول إمكانية صعود اليورو، وتحوُّله لعُملة دولية تُزيح الدولار عن عرش الاقتصاد العالمي، والحقيقة أنه على الرغم من التحسُّن الواضح في قيمة اليورو، لكنَّه لا يستطيع منافسة الدولار؛ وذلك لعدة أسباب.
السبب الأول: أمريكا والاتحاد الأوروبي في خندق واحد سياسياً وعسكرياً، لذلك ليس من مصلحة أوروبا محاربة أمريكا اقتصادياً، وهذا الشيء كان واضحاً في الحرب الروسية الأوكرانية؛ لأن أوروبا لا تستطيع مواجهة روسيا، وهي دائماً بحاجة للدعم الأمريكي السياسي والعسكري.
السبب الثاني: أوروبا وأمريكا شريكان في حِلْف الناتو، وفي حال محاولة أوروبا التخلّي عن الدولار، سيُسبّب هذا الأمر صراعاً اقتصادياً داخل الحلف، ويمكن أن ينتهي الأمر بانهيار الحلف، ما يعني ضَعْف الغرب بشكل كبير.
السبب الثالث: الاتحاد الأوروبي ليس دولة واحدة، لكنَّه يضم عدداً كبيراً من الدول، ولكل دولة سياستها الاقتصادية الخاصة بها، على عكس الدولار، فهو عملة دولة واحدة. لذلك يبقى الدولار رغم كلّ الضغوط أكثر قوّةً وتماسُّكاً.
السبب الرابع: العالم كله يَقبل الدولار كعُملة دولية؛ بسبب قوة أمريكا الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وبسبب سيطرتها على المؤسسات الدولية، وهذا الشيء كله تفتقده أوروبا.
خلاصة الأمر: اليورو لا يمكن أن يكون بديلاً عن الدولار، لأن الظروف الدولية لا تسمح بهذا الأمر، ومصلحة أوروبا مع سيطرة الدولار؛ لأنها بحاجة إلى أمريكا أكثر من حاجة أمريكا لأوروبا.