شَارِك المَقَال

تُعدّ أزمة العقارات في سوريا أزمة قديمة متجدّدة، تمتد جذورها إلى بداية السبعينيات من القرن الماضي. فقد أهمَل نظام الأسد الأرياف والمدن الصغيرة، ما شجّع الهجرة إلى المدن، فارتفع الطلب على المنازل، وشهد هذا القطاع تضخماً متسارعاً. كما لم يقم النظام بتخطيط وتنظيم المدن، لذلك انتشرت العشوائيات، ما سمح بظهور سوق غير منظمة للعقارات.

 

القانون العقاري القديم عرقل نموّ هذه السوق، فبعض قضايا العقارات كانت تبقى عشرات السنوات في المحاكم دون البتّ بها، كل هذا جعَل من قطاع التطوير العقاري عبئاً على الدولة والمجتمع، بدلاً من أن يكون رافعة للاقتصاد. وحتى قبل عام 2011م كانت الأزمة واضحة، ففي عام 2010م كانت دمشق ثامن أغلى مدينة في العالم من حيث أسعار العقارات.

 

وبعد عام 2011م تفاقمت الأزمة نتيجة تدمير ملايين المساكن مِن قِبَل النظام البائد، والتراجع الحادّ في الدخل عزّز من الأزمة. ووفقاً لتقرير “نامبيو” تُعدّ سوريا عموماً، ودمشق على وجه الخصوص، أغلى مدينة في العالم من حيث سعر العقارات. أسعار بعض المنازل في ضواحي دمشق تصل إلى مليار ليرة سورية، بينما دخل الموظف 400 ألف ليرة شهرياً، فالفجوة كبيرة جداً بين الدخل والسعر.

 

تأثير تغيُّر سعر الصرف على أسعار العقارات محدود نسبياً، وعند تحسُّن قيمة الليرة من الملاحَظ أن التحسن سيكون محدوداً جداً، والسبب أن تسعير العقارات لا يتم وفق معيار التكلفة أو معيار هامش الربح، بل يتم وفق مبدأ العرض والطلب. لذلك عودة التسعير المنطقي يتطلب توازن العرض والطلب؛ من خلال توفير عدد كبير من المساكن اعتماداً على استثمارات كبيرة في سياق إعادة الإعمار.

 

إن معالجة هذه الأزمة تتطلب إستراتيجية طويلة الأمد تبدأ بإعادة الإعمار وتنظيم المناطق العشوائية، وتطوير القوانين الناظمة للسوق العقاري، ورفع مستويات الدخل، وذلك بالتوازي مع تشجيع الاستثمار العقاري.

شَارِك المَقَال