هل يمكن لحملة #مُقاطَعة_المُنتَجات_الفَرَنسيّة أن تكون ذات جدوى، وما هو حجم الصادرات الفَرَنْسيّة في المنطقة
تَتالَتْ في السَّنَوات الأَخِيرة حَمَلات إساءة للرَّسُول محمد -صلى الله عليه وسلَّم- في #أوروبا، كان آخِرُها قِيام #الرَّئِيس_الفَرَنسيّ #إيمانويل_ماكرون بتَصْريحات تَحْمِل الإساءَة ل #الإِسْلام ولنَبِيّه -صلى الله عليه وسلم-، ممَّا أدَّى لحَمَلات شَعْبيّة تَدْعو ل #مُقاطَعة_المُنتَجات_الفَرَنسيّة، فما هي حُظُوظ هذه المُقاطَعة في التأثِير على #الاقتِصاد_الفَرَنسيّ.
لا بُدّ بِدَايةً من تَحْديد العَلاقة الاقتِصاديَّة بين #العالَم_الإِسْلاميّ من جِهة وبين #الاقتِصاد_الفَرَنسيّ من جِهةٍ أخرى، إذ تَبْلغ الصادِرات الفَرَنسيّة ما يقارِب من 563 مليار دولار سنويًّا، 65 مليار دولار منها للدُّوَل العَرَبيّة و6,5 مليار لتركيا و15 مليار لباقي الدُّوَل الإِسلاميّة، فالصادِرات الفَرَنسيّة للعالَم الإِسْلاميّ تبلغ 86,5 مليار دولار بما يُشَكِّل 15,3% من إجمالي الصادرات.
على الرَّغْم من الانخفاض النِّسْبيّ لقِيمة الصادِرات الفَرَنسيّة ل #العالَم_الإِسْلامي إلا أن العَلاقة الاقتِصادية الفَرَنسيّة مع العالَم الإِسْلاميّ تَمِيل بشَكْل واضِح لصالِح #فَرَنسا كَوْنها تُصدِّر لهذا العالَم 86,5 مليار دولار بينما لا تَستورِد منه إلا 50 مليار دولار، فلهذه العَلاقَة دَوْرٌ هامّ في تَخْفيف العَجْز التِّجاريّ الفَرَنسيّ الَّذِي تَجاوَز 7 مليارات دولار.
تَبْلغ قِيَمة #الاستِثمارات العَرَبيّة والإسلاميَّة في فَرَنسا عِدَّة مئات من مليارات الدُّولَارات فهي تَلْعب دورًا هامًّا في تنشيط #الاقتِصاد_الفَرَنسيّ، كما أنَّ عَدَد #المُسلِمين حول العالَم يتجاوز 1,8 مليار شخص وبالتَّالي يُشكِّلون أحد أكبر الأَسْواق العالَميَّة، كلّ هذه المُعطَيات تُعْطي #مُقاطَعة_المُنتَجات_الفَرَنسيّة أثَرًا واضِحًا.
تُشَكِّل #الاستِثْمَارات العَرَبيّة لا سيَّما الخَليجِيّة منها أَحَد أَهَمّ الاستِثْمارات الأَجْنبِيّة في فَرَنسا، ف #قَطَر وَحْدها تَستثمِر 40 مِلْيار دُولار، و #الإِمَارات 5 مِلْيار، بحيث تُشكِّل الاستِثْمارات العَرَبيّة الرَّسْميّة 60 مِلْيار دُولار والقِطاع الخَاصّ العَرَبيّ يَستثِمر 7,6 مِلْيار دُولار، وتَستحْوِذ هذه الاستِثْمارات على نِسَب هَامَّة من المَشارِيع الفَرَنسيّة.
تَملِك #الشَّرِكات العَرَبيّة 2% من شَرِكة #TOTAL النِّفْطيّة و 5% من شَرِكة #Veolia و 16% من شَرِكة #Lagardère و5,5% من شَرِكة VINCI#، وتوفِّر هذه الاستِثْمارات 60 أَلْف فُرْصة عَمَل للفَرَنسيِّين وتُساهِم بـ 65 مِلْيار دُولار من الصادِرات الفَرَنسيّة، فأيّ مُقاطَعة رَسْميّة وشامِلة ل #الاقتِصاد_الفَرَنسيّ من شَأْنها إِرْهاقه وتَكْبِيده خسائِر كَبِيرة
لا يَقْتصِر الأَثَر الاقتِصاديّ للمُقاطَعة على الجانِب الاقتِصاديّ المُباشِر، بل يَتعدَّاه إلى الأَثَر غير المُباشِر والذي يُعتبَر الأكثر خُطُورة ودَيْمُومة، والمُتمثِّل في تَراجُع ثِقَة #المُستثمِرين وحَمَلة #الأَسْهم بقُدْرة #الشَّرِكات_الفَرَنسيّة على النمُوّ في المُستقبَل القَرِيب بفِعْل المُقاطَعة، لا سيَّما إذا استَمرَّت المُقاطَعة لعِدَّة أَشْهُر.
تَمْتاز الصادِرات الفَرَنسيّة بِكَوْن نِسْبة كبيرة منها تُمثِّل كَمالِيّات مُقابِل تَراجُع نِسْبة الضَّرُوريات، إذ يَغلُب على الصادِرات الفَرَنسيّة #السيَّارات و #العُطُور و #الأَلْبِسة و#مُستلزَمات_التَّجْميل وغيرها، وهذه المُنتَجات يُمكِن مُقاطَعَتها بسُهولَة نَتِيجة عَدَم تأثُّر #المُستهلِكِين بمُقاطَعَتها، فالطَّلَب على هذه المُنتَجات مُرتفِع المُرُونة، وبالتَّالي قُدْرة الشَّرِكات على الصُّمُود والمُناوَرة مُنْخَفِضة.
يرَى البَعْض أنَّ #مُقاطَعة_المُنتَجات_الفَرَنسيّة لا تَتعدَّى كَوْنها مَوْقِفًا رَمْزيًّا لن يَتْرك أثَرا اقتِصاديًّا واضحًا، وهنا لا بُدّ من التَّذْكير بحَمْلة المُقاطَعة ل #المُنتَجات_الدَّانِماركيّة عام 2005م فعلى الرَّغْم من أنَّ نِسْبة الصادِرات الدَّانِماركيّة للعالَم الإِسْلاميّ لا تَتعدَّى 3% إلَّا أنَّ اقتِصادها تأثَّر بشَكْل واضِح، بينما الصادِرات الفَرَنسيّة تبلغ 15,3%.
على الرَّغْم من مُحاوَلة الحُكُومة الدَانِماركيّة في عام 2005م التَّقْليل من فاعِليّة المُقاطَعة إلَّا أَنَّها اعتَرفَت لاحقًا بتأثُّر الشَّرِكات، فشَرِكة آرلا فودز “#ARLA FOODS” سَجَّلت خسائِر يوميَّة تَزِيد عن مليون دُولار، واضْطَرت الدَّانِمارك حينها لتسريح أكثر من 10,000 موظف، إضافةً لخَسَارة إجْمَاليَّة بَلَغت مئات ملايين الدُّولارات.
تُشكِّل تَصْريحات #الرَّئِيس_التركِيّ #أَرْدوغان ودَعْوته شَعْبه والعالَم الإِسْلاميّ ل #مُقاطَعة_المُنتَجات_الفَرَنسيّة دَفْعا قَويًّا لحَمَلات المُقاطَعة نَظَرا للوَزْن الاقتِصاديّ الكَبِير ل #تُرْكيا واستِنَادا لشَعْبيّة #الرَّئِيس_التُّركيّ المُتزايِدة في #العالَم_الإِسلاميّ، وبالتَّالي فمِن المُتوقِّع زِيادة حِدَّة المُقاطَعة وانْتِقالها لبَاقِي الدُّوَل العَربِيّة والإِسْلاميّة.
تُشكِّل الإِساءَات الغَرْبيّة المُتكرِّرة ل #المُسلِمين ومُقدَّساتهم ونَبِيِّهم الكَريم -عليه الصلاة والسلام- استِفْزازًا وإِهانَة لهم، لذلك على هؤلاء المُسيئِين تحمُّل تَبِعات إساءتِهم، وهنا يَجِب التَّنْويه إلى أنَّ #مُقاطَعة_المُنتَجات_الفَرَنسيّة تُشكِّل رَدَّة فِعْل حَضاريَّة من المُسلِمين، فلم نَشْهد هجومًا على سَفارات أو تَهْديدًا لأَحَد، بل اكْتَفى #المُسلِمون بمُقاطَعة المُنْتَجات الفَرَنسيّة وهو حقّ طَبِيعيّ لهم ويُعبِّر عن احتِجَاجهم بطَريقَة حَضاريَّة وعَصْريَّة.
إنَّ الأُسْلوب الَّذِي انْتَهجه #الرَّئِيس_ماكرون ليس غَريبًا عن النَّهْج الفَرَنسيّ العامّ، فالثَّقافَة الفَرَنسيّة توُصَف عُمُوما بالشَّراسة، ومُحاوَلات فَرْنَسة #المَغْرب_الغَرْبيّ إبَّان #الاستِعْمار_الفَرَنسيّ واضِحة جِدًّا، لذا يَجِب ألَّا تَقْتصِر المُقاطَعة على الجانِب الاقتِصاديّ فقط، بل يَجِب أن تَتعدَّاه لتَطَال البُعْد الثَّقافِيّ.
خِتاما، يَجِب التَّنْويه إلى أنَّ #مُقاطَعة_المُنتَجات_الفَرَنسيّة قد لا تُؤْتِي أُكُلها في المَدَى القَرِيب، ولكن قد يَكُون لها أَثَر واضِح على #الاقتِصاد_الفَرَنسيّ في المَدَى المُتوسِّط والبَعِيد، كما أنَّ رَمْزيّة المُقاطَعة تُمثِّل رَدَّة فِعْل طَبيعيّة على سِياسة الكِبْر الفَرَنسيّة، حينها يَجِب أنْ يُدرِك صاحِب القَرار أنَّ حَمَلات التنمُّر ضِدّ مُقدَّسات المُسلِمين لا يُمكِن أن تَمرّ دُون أيّ رَدّ فِعْل من شُعُوب العالَم الإِسْلاميّ.