شَارِك المَقَال

 

يبدو أن التمدد الصيني العالمي ونمو نفوذ بكين على شتى المستويات لا يزال يؤرق القوى الغربية الكبرى. لهذا السبب تجاهلت إجراءات التباعد الاجتماعي والتقت في بريطانيا حضورياً للمرة الأولى منذ أكثر من سنتين. خصوصاً للبحث في حلول للتحديات العالمية وفي مقدمتهاالطموح الصيني لإثبات قوتها السياسية والعسكرية وممارسة نفوذها حول العالم. والسؤال هنا: ماذا يخطط تكتل الدول السبع الكبرى لوقف تنامي النفوذ الصيني؟

 

لماذا تتخذ الولايات المتحدة موقفًا أكثر صرامة تجاه بكين؟

حضر قمة الدول السبع الكبرى زعماء ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة وكندا واليابان والولايات المتحدة. وحاول الرئيس الأمريكي إقناع حلفائه بالانضمام لواشنطن في تبني موقف أكثر صرامة تجاه بكين. خاصةً بشأن سياساتها الخارجية ضد الأقليات والناشطين في شينغيانغ وهونغ كونغ وبحر الصين الجنوبي.

 

من جهة أخرى تشدد الولايات المتحدة على ضرورة أن تقود واشنطن القوى الكبرى لإحداث تغيير كبير في مختلف الأحداث العالمية المهمة. يأتي في مقدمتها تشكيل جبهة موحدة لمواجهة الأنشطة التي تعتبرها “ضارة” للصين. وأبدت رغبتها في مزيد من التحقيق بشأن ظهور “كورونا”. والتحري عن نظرية تسربه من مختبرات بكين.

 

يدعم الاتحاد الأوروبي دعوات الولايات المتحدة للكشف عن مصدر “كوفيد-19”. حيث كلفت الإدارة الأمريكية وكالات استخباراتها بمضاعفة تحقيقاتها لمعرفة كيفية ظهور “كورونا”. وتعهدت بالعمل مع شركائها الغربيين لمواصلة الضغط على السلطات الصينية للمشاركة في تحقيق دولي وشفاف وقائم على الأدلة.

 

ما أبرز أهداف قمة الدول الصناعية؟

تسعى قمة الدول الصناعية إلى ترسيخ توجه مستقبلي يعتمد على أن تكون دولها التي تمثل أغنى الديمقراطيات بديلًا لنفوذ الصين المتنامي. لذلك تشتمل أجندتها على مقترح إطلاق بديل أخضر لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية. والتي تنفذها بكين لدعم التنمية المستدامة في البلدان النامية.

 

جدير بالذكر أن مبادرة “الحزام والطريق الجديد” أطلقتها الصين عام 2013م. وتعد المشروع الأكبر من نوعه بعد مشروع “مارشال” الأمريكي لإعادة إعمار أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. حيث تبلغ موازنته مليارات الدولارات. وتستند فكرته على إعادة إحياء طريق الحرير التجاري الذي كان يربط الصين بدول العالم.

 

ما أهداف الصين من مبادرة “الحزام والحرير”؟

من جهة أخرى تهدف الصين من مبادرة “الحزام والطريق” إلى توسيع نطاق التجارة العالمية معها. من خلال إنشاء شبكات من الطرق والموانئ والسكك الحديدية وخطوط الطاقة. بهدف تيسير نقل البضائع الحيوية بين الشرق والغرب عبر بلدان عديدة في آسيا وإفريقيا وأوروبا. ولذلك تعهدت بتوفير أكثر من 124 مليار دولار من الموازنة.

 

رصدت بكين بين 2016 و2017م موازنة تجاوزت 320 مليار دولار لتطوير مشروعات البنية التحتية في بلدان جنوب شرق آسيا وإفريقيا وأوروبا الشرقية. بالإضافة إلى ذلك يضخ مسؤولوها مليارات الدولارات في صندوق “طريق الحرير” الاستثماري. كما تعقد اتفاقيات تحرير التجارة مع الدول المستهدفة وتدعو لاستخدام اليوان فيها.

 

نتيجة لذلك تُوجّه للمبادرة الصينية الكثير من الانتقادات بأنها ستعمل على تعزيز نفوذ الشركات الصينية في الدول الفقيرة. كما أنها تنصب أفخاخًا من الديون الطائلة لحكومات البلدان النامية التي تستفيد من قروض تمنحها المصارف الصينية لتطوير بنيتها التحتية. خاصةً أنها لن تتمكن من سداد هذه القروض في الأوقات المستحقة.

 

ما البديل الأمريكي المنافس للمبادرة الصينية؟

البديل الأخضر الأمريكي المنافس للمبادرة الصينية أطلقته واشنطن باسم خطة إعادة بناء عالم أفضل (Build Back Better World B3W). لتشجيع بلدان مجموعة السبع للدول النامية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية على تنمية صديقة للبيئة. زيادة على تحفيز استثمارات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة.

 

خطة “إعادة بناء العالم بشكل أفضل” تروّج لها واشنطن على أنها ستؤسس لعالم جديد في مرحلة ما بعد انتهاء “كورونا”. لا سيما بالتركيز على تعزيز قطاعات المناخ والصحة والقطاع الرقمي ومكافحة التباين الاجتماعي في الدول ذات الدخل المحدود والمتوسط. خصوصاً تلك الدول التي تستهدفها الصين من مشروع طريق الحرير الجديد.

 

تأمل واشنطن من مبادرتها الجديدة (Build Back Better World B3W) تدشين خطة بنية تحتية يمكنها أن تكون بديلًا عالي الجودة لمبادرة الحزام الصينية. والتي تستهدف منها الصين +60 دولة تضم نحو ثلثي سكان العالم. ينتجون أكثر من نصف الناتج العالمي. ولديهم  75 بالمائة من احتياط الطاقة في العالم.

 

من جهة أخرى لم تلتفت بكين للتكتلات الأمريكية- الأوروبية  ضدها. واتخذت موقفًا أكثر صرامة قللت فيه من مكانة الدول المشاركة في مجموعة السبع الكبرى. وحذرت قادتها من التوجه الفردي في اتخاذ القرارات التي تتعلق بالشؤون الدولية دون التشاور بين جميع البلدان. كما حذرتها من تبنّي نهج وصفته بـ”المعادي” لها.

 

في النهاية يبدو أن دول مجموعة السبع لم تحسم بعدُ موقفها بشأن الصين. هل هي شريك منافس أم تهديد أمني؟ فلم تعلن مدى مساهمتها في خطة البنية التحتية العالمية البديلة لطريق الحرير أو جدولها الزمني. لكنها اجتمعت على ضرورة التحرك الفوري لمواجهة التمدد الصيني القوي والمتزايد على شتى المستويات.

 

 

 

شَارِك المَقَال