تسببت جائحة كورونا في خسائر اقتصادية فادحة لمختلف دول العالم وعلى شتى المستويات إنسانياً واجتماعياً. أما الخسائر الاقتصادية فحدّث ولا حرج فقد شملت مختلف القطاعات التجارية. وفي مقدمتها القطاع السياحي الذي خسر -على المستوى العالمي- +4 تريليونات دولار خلال عامي 2020 و2021م. والسؤال هنا: كيف تضرر الاقتصاد العالمي من انخفاض عائدات السياحة بسبب كورونا؟
في 2020م انخفضت أعداد السائحين الدوليين بنحو مليار سائح تراجعاً عن معدلات 2019 بـ+74% وخسائر بـ+2.4 تريليون دولار. ومع تواصل القيود وإغلاق 32% من الوجهات العالمية في مطلع فبراير 2021م خسرت السياحة نحو 260 مليون سائح. وانخفضت الأعداد بنحو 84% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2021م.
مقارنةً بمستويات ما قبل انفجار الأزمة وتفشي كورونا. وتحديداً في عام 2019م. فإن انخفاض أعداد السائحين على المستوى العالمي خلال عام 2020م. والأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021م. تسبب في خسارة الاقتصاد العالمي لما يتراوح بين 1.7 و2.4 تريليون دولار.
الإمارات العربية كانت الأقل على مستوى العالم من حيث انخفاض حركة السياحة في 2020م بمعدل 45.2%. ثم المكسيك بنسبة 52% فإيطاليا بنسبة 63%. تلتها ألمانيا 69% وتركيا بنسبة 73%. والسعودية بنسبة 76% والولايات المتحدة 77%. وإسبانيا بمعدل 78% والمملكة المتحدة 82% وتايلاند بنسبة 83%.
وعلى مستوى العاملين في القطاع السياحي فقد أدّت جائحة كورونا إلى ارتفاع كبير في معدل البطالة بمتوسط 5.5 بالمئة عالمياً. لكن هذه النسبة قد تختلف من دولة إلى أخرى. بحسب أهمية القطاع السياحي في كل دولة حتى أنها قد تزيد لثلاثة أضعاف -أي نحو 15 بالمئة- في دول بعينها.
هناك سيناريوهات عدة للمجال السياحي تنتظر عام 2021م. منها أن تواجه الصناعة خطر الانهيار التام في حال ازداد انتشار الفيروس وظهور موجات أو تحورات أكثر خطورة. ما يجبر الحكومات على العودة لقرارات الإغلاق الجوي والاقتصادي ومنع السفر والتنقُل. وسترتفع نسبة البطالة لمعدلات غير مسبوقة.
سيناريو آخر يتمثل في تراجع أعداد السياح بين 63 و75%، وخسائر بين 1.7 و2.4 تريليون دولار. ومع ازدياد وتيرة التطعيم ورفع بعض القيود سيكون التعافي بطيئاً. والبلدان المعتمدة على السياحة طوال العام -الأكثر تضرراً من التباطؤ- وتتضمن فئة المخاطر الأعلى جميع دول الكاريبي ومعظم دول حوض المتوسط.
هناك توقعات أخرى ببعض الانتعاش في النصف الثاني من 2021م وزيادة عدد السياح الدوليين بـ66% في 2021م. مقارنة بأدنى مستوياتها في 2020م. وسيكون على الأقل في دول أمريكا الشمالية وأوروبا. وبدرجة محدودة. في هذه الحالة سيظل عدد الوافدين أقل بـ55% عن المستويات المسجلة قبل الجائحة في 2019م.
سيناريو آخر مُفترض وهو حدوث انتعاش محتمل في شهر سبتمبر 2021م. تنتج عنه زيادة بنسبة 22% في عدد السياح الوافدين مقارنة بالعام الماضي 2020م. ورغم ذلك سيكون هذا أقل بنسبة 67% عن مستويات 2019م. وتشير غالبية التوقعات الإيجابية لتزايد الطلب على الأنشطة السياحية القائمة على الطبيعة.
من بين السيناريوهات المتوقعة: سيناريو متفائل يفترض أن كورونا سيكون بمثابة لحظة تحول جذري. أو فرصة لحدوث تغيير في نهج السياحة من قبل الحكومات والقطاع الخاص لتتكيف أسرع مع التحديات المختلفة التي تواجه السياحة العالمية. لجعلها تتماشى مع الظروف الجديدة التي فرضها انتشار الفيروس.
من أمثلة تغير النهج السياحي: اعتماد عدد قليل من الدول خططاً وبرامج لتلقيح المسافرين الوافدين عليها من غير المقيمين فيها بلقاح “كورونا”. وسواءً كان ذلك لحماية سكانها أو لا. فإنها خطوة ذكية للترويج للسياحة وإنعاش الاقتصاد. ومن المؤكد أن قائمة هذه الدول ستنمو سريعاً.
من غير المنتظر تعافي قطاع السياحة عالمياً بصورة كاملة قبل حلول 2023م. وحتى هذا التاريخ لن تتمكن شركات كثيرة من البقاء على قيد الحياة وستعلن إفلاسها. ومع انفراجة الأزمة ستبدأ المنافسة بين البلدان على تنشيط السياحة في الاشتعال. وستتنافس كل منها على تقديم أفضل الحوافز لجذب الزوار.
الآن السياحة العالمية والعاملون فيها في خطر حقيقي. فمعدلاتها تقبع عند مستويات ما قبل 30 عاماً. أي أننا فعلياً نشهد معدلات فترة الثمانينات. وما يتطلع إليه صناع القرار في مختلف الدول وخبراء المجال أن نبلغ على المدى البعيد -ربما بعد 2023- مستويات ما قبل الأزمة أي مستويات عام 2019م.