تهدف أي حكومة في العالم إلى بناء اقتصاد قوي وإظهار نفسها أمام شعبها وأمام دول العالم على أنها حريصة على مصالح أفرادها. وهذا الأمر ينسحب على حكومة النظام السوري. فهي بلا شك ترغب في الخروج من دائرة الضغوط الاقتصادية وامتلاك اقتصادٍ متعافٍ. ولكن الأسئلة المهمة هنا: هل يقدر النظام على هذا الأمر؟ وهل يمتلك الأدوات اللازمة؟ وكيف يتم تحريك الدورة الاقتصادية في سوريا بين رغبة النظام وإمكانيته؟
في الحقيقة لا يمكن إنكار رغبة النظام الحقيقية في إعادة الحياة للدورة الاقتصادية في البلاد عموماً وفي مراكز الثقل الاقتصادي خصوصاً. لا سيما في محافظتي حلب ودمشق. لأن عودة النشاط الاقتصادي سيحسّن من صورته داخلياً ويخفف من حدة الضغوط الخارجية عليه. فهذا الأمر في حال حدوثه يصبّ في مصلحة النظام حكماً.
لكن يبرز هنا تساؤل مهم: هل يستطيع النظام بالفعل تحريك العجلة الاقتصادية؟ وهل لديه الأدوات والإمكانات اللازمة؟. في الواقع لا يستطيع النظام التأثير في الدورة الاقتصادية. ولا يمكنه ذلك رغم حاجته الملحة للتأثير في الأسواق. فهو يرغب في إعادة الحياة الاقتصادية لكنه لا يستطيع.
في الحقيقة تتمثل الأسباب التي تحول دون قدرة النظام على التأثير في الدورة الاقتصادية بعدم امتلاكه أدوات مالية أو اقتصادية. بالإضافة إلى غياب منطق الدولة في المؤسسات. فالمنطق السائد في سوريا حالياً هو منطق الميليشيات وأمراء الحرب. فالقرارات تمرر بما يضمن مكاسب الميليشيات دون الاكتراث بمصالح الدولة.
تشير الوقائع في سوريا إلى أنه لو أراد النظام دعم الأسواق لن تسمح له الميليشيات بذلك إذا ما تعارض هذا الدعم مع مصالحها. فالدولة في سوريا حالياً مظهر خارجي فقط. مع سيطرة شبه تامة للأجهزة الأمنية وأمراء الحرب. فالقرارات الصغرى والكبرى تتم بما يضمن مصالح كبار المسؤولين دون اكتراث لمصلحة الدولة السورية.
يقوم النظام مؤخراً بتنظيم فعاليات ومبادرات توحي بأن هناك ترميماً للمنشآت الاقتصادية والأسواق الرئيسة في كبرى المدن السورية. لكن في الحقيقة لا تعدو هذه المبادرات أن تكون طقوساً احتفالية فارغة من أي محتوى اقتصادي. فالهدف منها إيهام الناس بأن الانفراج الاقتصادي بات قريباً.
من جهة أخرى حتى لو كان النظام صادقاً في الترميم والدعم الاقتصادي فهذه المشاريع قد لا يُكتب لها النجاح. لأن النظام بات من الضعف لدرجة أنه عاجز عن السيطرة على أمراء الحرب الذين صنعهم بيده.
في النهاية إن أي انتعاش اقتصادي حقيقي يشكل تهديداً لمصالح أمراء الحرب الذي يسيطرون على المعابر والاستيراد والتصدير والحواجز. لذلك يمكن القول بأن هذه الطقوس لا تعدو أن تكون طقوساً احتفالية آنية ليست بذات أثر حقيقي.