في الوقت الحالي ينتشر مناخ شعبي قائل بأن ما يحدث لليرة التركية خارج المنطق الاقتصادي. فكل المؤشرات الاقتصادية تدعم الليرة. فلماذا هذا التدهور المستمر؟ إلا أن هذا الطرح قد يفتقد للدقة. والسؤال هنا: ما أثر المؤشرات الاقتصادية على الليرة التركية؟ فيما يلي نستعرض أثر المؤشرات الاقتصادية على قيمة الليرة التركية.
في الحقيقة تشهد الصادرات التركية زيادة واضحة. لكن الواردات هي الأخرى تزداد. بالتالي فالميزان التجاري التركي خاسر. بمعنى أن ما يكسبه الاقتصاد التركي من التصدير يخسر أكثر منه في الاستيراد. فكمية الدولار الخارجة من البلاد تفوق الداخلة. وإن كان الميزان التجاري التركي اقترب في العام الحالي من تحقيق التوازن إلا أنه ما يزال خاسراً.
علاوة على ذلك وفيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي فقد حقق الاقتصاد التركي بالفعل زيادة واضحة هذا العام. لكن هذه الزيادة مرتفعة بالمقارنة مع ناتج سنوات الإغلاق الاقتصادي نتيجة أزمة كورونا. ولذلك فالدقة تتطلب مقارنته في سنوات طبيعية وليس استثنائية.
وفي الوقت نفسه تقدّر قيمة الناتج المحلي الإجمالي التركي في العام الحالي بـ 750 مليار دولار. وهي تزيد عن قيمة عام 2020م والبالغة 720 مليار دولار. إلا أنها ما زالت تقل عن السنوات الأسبق. ففي عام 2017م بلغت 859 مليار. وفي عام 2013م بلغت 957 مليار. فالناتج المحلي الإجمالي ما يزال منخفضاً وإن شهد بعض التحسن هذا العام.
من ناحية أخرى فإن التصنيف الائتماني لتركيا شهد انخفاضاً هذا العام. فقد تم تخفيض تصنيفها إلى –bb. وهو عامل ضاغط على الليرة. لأن هذا التصنيف يُضعِف حركة الاستثمار الخارجي والقدرة على التمويل.
في الحقيقة تشكل الديون الخارجية التركية عامل ضغط حاد على قيمة الليرة التركية. لا سيما أن غالبيتها للقطاع الخاص وبعضها قصير الأجل. ناهيك عن التضخم الذي يرتبط بجانب العرض والطلب معاً. ممّا يعقد عملية المعالجة كون آليات معالجة التضخم في جانب العرض تتعارض مع نظيرتها في جانب الطلب.
في الواقع إن خفض سعر الفائدة بمقدار 300 نقطة خلال فترة قصيرة أغرق السوق بالليرة. كما أدى لانتشار ظاهرة “الدولرة” والاكتناز وهو ناجم عن الضغط النفسي للأفراد. ولكن تخفيض سعر الفائدة أمر لا بد منه لتحفيز الإنتاج. لا سيما أن السياسة النقدية الحالية تعالج الجذور لا الأعراض.
من جهة أخرى فإن العبء النفسي للأفراد يعرقل ظهور النتائج الإيجابية لسياسة خفض سعر الفائدة. خصوصاً أنها بطبيعة الحال لن تظهر نتائجها الإيجابية إلا في المدى المتوسط. وهنا قد تكون الحكومة التركية بالغت بالتخفيض 300 نقطة لسعر الفائدة في فترة قصيرة. فكان من الأفضل التخفيض التدريجي نصف نقطة كل شهر. وذلك دفعاً لإغراق السوق بالليرة ودفعاً لظاهرة “الدولرة” والاكتناز.
في نهاية المطاف من المتوقع أن تتحسن الأمور خلال الأشهر القليلة القادمة بعد بدء ظهور نتائج سياسة خفض سعر الفائدة.