في الحقيقة نشهد في الوقت الراهن موجة ارتفاع جنوني في أسعار الغذاء ومواد الطاقة. زيادة على ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين والمنتجين وارتفاع السلع الصناعية والثمينة وحتى ارتفاع العملات الرقمية. موجة لم تتوقف بعد أو تظهر بوادر انحسارها. بسبب عوامل متعددة منها جائحة كورونا وأزمة الطاقة. كل هذا عبارة عن تراكم لموجات من التضخم. والسؤال هنا: وسط مخاطر التضخم على الاستثمار ما أبرز وسائل التحوط؟
في الواقع التضخم من المصطلحات الاقتصادية الأكثر انتشاراً وتأثيراً على الساحة العالمية. ويُقصَد به ارتفاع متوسط سعر سلّة من السلع والخدمات خلال فترة زمنية معينة بما يؤدي لانخفاض القدرة الشرائية الفعلية للعملة المحلية. أي هبوط قيمة هذه العملة.
على سبيل المثال إذا كان 10 وحدات من عملة ما تشتري كيلو جرام واحداً من اللحم. ثم ضعفت القيمة الشرائية للعملة بعد عام فأصبح ثمن كيلو اللحم يعادل 15 وحدة من العملة. فهذا يعني أن التضخم حدث بمعدل كبير وهو 50%. أما التضخم الصفري فيعني ثبات القيمة الشرائية للعملة.
بصفة عامة ينشأ التضخم الاقتصادي نتيجة سبب أو أكثر. منها ما هو محلّي كحالة زيادة الطلب على السلع مقارنة بالمعروض منها فترتفع الأسعار. وفي الوقت نفسه قد يكون المحرك الرئيس للارتفاع زيادة المعروض من النقد. فيرتفع الطلب سريعاً من الأفراد على السلع والخدمات مقابل قدرة أقل من الشركات على تلبية العرض.
من جهة أخرى قد يحدث التضخم أيضاً نتيجة زيادة تكاليف الصناعات المحلية. خاصةً بند الأجور فتندفع الأسعار لأعلى. هذا بخلاف العوامل الخارجية مثل ارتفاع أسعار المواد الأولية (مواد الطاقة…) والسلع الاستراتيجية (القمح…). ما يؤدي لارتفاع فاتورة استيراد المنتجات ويختل ميزان المدفوعات وتتذبذب العملة المحلية.
بصورة شاملة يؤثر التضخم الاقتصادي سلباً على المناخ العام للاستثمار. فلو أن مستثمراً في بلد ما توقع تحقيق عائد معين مقوّماً بالعملة المحلية ثم هبطت قيمة العملة. بالتالي سينخفض معدل الربح الذي خطّط له وربما يخسر. والخسارة هنا ليست بسبب سوء الاختيار أو خطأ في التنفيذ أو التسويق ولكن بسبب التضخم.
على أي حال إن التضخم حدث اقتصادي متكرر ومعتاد. فالسلع والخدمات في كل دول العالم ترتفع أسعارها. وبالتالي تقلّ قيمة النقود أمامها. فالسلع التي كان يمكن شراؤها في الماضي بـ10 دولارات مثلاً ستكون فيما بعد بـ20 دولاراً أو أكثر. هذا هو التضخم.
ولكن ليس كل تضخم خطراً يهدّد الاستثمار. لا سيما أن التضخم شيء متكرر الحدوث. والتضخم المقبول أو الصحي هو الذي يكون صغير النسبة. بحيث لا يتجاوز نصف أو واحد في المائة في العام. ويحدث في البلدان المستقرة اقتصادياً. بل إن التضخم في حدود 1-2% لا يمكن اعتباره إشارة خطر.
في نفس الوقت فإن تجاوز معدل التضخم الـ2% يشير إلى وجود خلل اقتصادي عميق. وينذر بالقلق ويثير خوف المستثمرين في الأموال السائلة بشكل خاص. لأنه يعني نقصاً فعلياً في قيمة أموالهم المرتبطة بأنشطتهم الاستثمارية (العوائد والأرباح). خاصةً مع وجود احتمالية لاستمرار هذا النقص أو تزايده مستقبلاً.
غير أن هناك بدائل آمنة للمستثمرين لربط أموالهم السائلة بها. مثل الذهب والمعادن النفيسة أو البضائع ذات القيمة (السِّلع المعمِّرة) أو السِّلع المضادة لتأثيرات التضخم مثل الأراضي والعقارات. فإذا استثمر شخصٌ ما أمواله في سندات بربح 7% سنوياً مع معدل تضخم 4% فهذا يعني انخفاض ربحه بنحو 3%.
من جهة أخرى فإن الاستثمار في الأسهم هو الأكثر أماناً من تأثيرات التضخم. فهذه الأسهم تاريخياً تُعتبر تحوّطاً جيداً ضد مخاطر التضخم. وعلى المدى الطويل ترتفع العوائد والأرباح الاستثمارية بنفس وتيرة التضخم تقريباً. وبالتالي ترتفع أسعار الأسهم بالتوازي مع ارتفاع الأسعار بشكل عام.
إلا أن المشكلة الأكثر انتشاراً في التأمين ضد التضخم عبر الاستثمار في الأسهم هي أن العائدات تميل أحياناً للمبالغة في قيمتها. ففي الفترات التي يكون فيها معدل التضخم مرتفعاً يبدو الوضع العام للنشاط الاستثماري وكأنه مزدهر. لكن ارتفاع العائدات يحدث بسبب ارتفاع التضخم.
في نفس الوقت بالنسبة للاستثمار عبر السندات ذات الدخل الثابت فإنها تتأثر نسبيّاً بالتضخم. لأن العائد منها يكون مقوماً بالعملة النقدية. لذلك يحتاج المستثمر بهدف تأمين أمواله من مخاطر التضخم إلى اختيار سندات ذات عائد أكبر من معدل التضخم. فإذا كان التضخم 4% مثلاً يجب أن يكون العائد 5 أو 6%. وهكذا.