شَارِك المَقَال

شهدت محافظة السويداء جنوب سورية احتجاجات مؤخراً على الواقع المعيشي المتردي. لا سيما بعد قرار حكومة النظام رفع الدعم عن بعض الشرائح الاجتماعية. والسؤال هنا: ما أسباب احتجاجات السويداء؟ وما دلالاتها؟ وهل من الممكن أن يكون لها إسقاط سياسي؟

 

لماذا احتج سكان محافظة السويداء؟

يعد الوضع المعيشي في مناطق النظام عموماً من الأسباب الرئيسة لمناخ شعبي عام ناقم على حكومة النظام. فالمؤشرات الاقتصادية سيئة للغاية. والفقر -وفقاً لبرنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية في سوريا- بلغ 99% في مناطق النظام. ومستوى الدخل المتدني وتكاليف المعيشة المرتفعة والبطالة والتضخم وغياب شبه تام للطاقة. بالإضافة إلى أزمة مواصلات وغيرها من الأسباب تجعل الواقع سيئاً جداً.

 

في ظل هذا الواقع الاقتصادي بالغ السوء قامت حكومة النظام باستبعاد شريحة من السوريين من مظلة الدعم. قدرت نسبتهم بـ 15%. وذلك من خلال القول بأن هذه الشريحة ليست فقيرةً وتستطيع تدبير أمرها اقتصادياً. وهذا يتناقض مع التقارير القائلة بأن نسبة الفقر 99%. فالشريحة التي يمكن استبعادها من الدعم لا تتجاوز 1%. بينما تم استبعاد 15%.

 

قرار الاستبعاد من الدعم اشتمل على أخطاء إجرائية كبيرة. كما أوضح مدى هشاشة قواعد البيانات لدى حكومة النظام. ويعد السبب المباشر للاحتجاجات التي طالبت بشكل صريح بإلغائه. إضافةً لمطالبات بتحسين الواقع المعيشي ومعالجة ملفات الفساد. لذلك فالسبب الرئيس لهذه الاحتجاجات يمكن وصفه بأنه اقتصادي ومعيشي.

 

لماذا نختلف الاحتجاجات بين البعد السياسي والاقتصادي؟

لم تتضمن الاحتجاجات أي مطالب سياسية صريحة. وإن وُجِدت فقد تم تبنّيها بشكل خجول. ولذلك ومن الناحية العملية لم يكن هناك أيّ بُعد سياسي للاحتجاجات. وهنا من الممكن الاستنتاج -واستناداً إلى تاريخ تعامل النظام مع الاحتجاجات السياسية- بأن المحتجين لم يرغبوا برفع شعارات سياسية تجنُّباً لبطش النظام بهم. فالاحتجاجات المعيشية تلاقي ردة فعل أقل من نظيرتها السياسية.

 

بالتأكيد لا يمكن الجزم بوجود خلفية سياسية لهذه الاحتجاجات. لا سيما في ظل شح المعلومات عن منظميها. ولكن من الممكن أن تتوسع رقعتها مستقبلاً أفقياً وعموديا. فالتوسع الأفقي يعني انتشارها لمناطق ومحافظات أخرى. بينما التوسع العمودي يعني ارتفاع سقف المطالب وانتقالها إلى خانة المطالب السياسية. وهذا الأمر مرهون بالتطورات ولا يمكن الجزم به.

 

الواقع المعيشي السيئ في مناطق النظام ليس مقتصراً على السويداء. بل هو شامل لكل المحافظات. وبعضها يفوق السويداء بمعدل الفقر. فالفقر في طرطوس وريف دمشق يعد الأعلى على مستوى سوريا بالكامل. وهذا يقود للقول بأن غالبية المحافظات السورية مرشّحة لأن تشهد احتجاجات مماثلة. وهذا الأمر مرهون بتوفر الدعم والتشجيع.

 

لقد سبَّبت الأحداث السياسية والعسكرية التي تلت الثورة السورية اصطفاف السوريين في جبهتين متعارضتين. وهنا لا يمكن إنكار أن شرائح واسعة نسبياً قد أيّدت النظام. وهذه الشرائح ربما بدأت بتغيير موقفها على الأقل من البوابة الاقتصادية. وهنا ووفقاً للمصلحة الوطنية لا بد من احتضان هذه التحركات وتشجيعها بغض النظر عن المواقف السابقة.

 

 

شَارِك المَقَال