يؤدي الأمن الغذائي لتحقيق نمو اقتصادي وليس العكس. بدون استراتيجية للأمن الغذائي تملكها الدول ستكون هناك عقبات وتكاليف إضافية للنمو الاقتصادي. وتواجه الدول التي تعاني من مستويات عالية من سوء التغذية مشاكل في تنمية رأس المال البشري الضروري لتحقيق النمو المستدام. والسؤال هنا: ما العلاقة بين الأمن الغذائي والنمو الاقتصادي؟
يمكن تعريف الأمن الغذائي وفقاً لمنظمة الفاو على أنه ضمان وصول جميع البشر إلى الأغذية الأساسية التي يحتاجون إليها. وهو ما يلزم معه توافر الغذاء أولاً على مستوى الدولة بالكامل. ثم استقرار سعره. وأخيراً سهولة الوصول إليه.
يؤدي انعدام الأمن الغذائي لخسارة في الناتج المحلي من 4 إلى 5%. وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة. في المقابل فإن زيادة النمو الاقتصادي بنسبة 10% تؤدي إلى انخفاض نسبة انعدام الأمن الغذائي إلى 6% فقط. وهو ما يوضح ضرورة تغيير التفكير القديم الفاصل بين النمو الاقتصادي والأمن الغذائي.
في الحقيقة تبلغ تكلفة علاج الآثار الصحية لانعدام الأمن الغذائي أو الجوع على المدى الطويل 12 ألف دولار للطفل الواحد. كما تتضمّن الخسائر 19.2 مليار دولار بسبب التعليم السيئ الذي يحصل عليه الأطفال الجوعى. علاوة على 17.8 مليار دولار متوسط المساهمات الخيرية التي يتم توجيهها لمعالجة الجوع.
يحدث انعدام الأمن الغذائي عندما تؤثر الصدمات المفاجئة على الدول. مثل حالات الجفاف أو انتشار الآفات الزراعية أو ارتفاع نسبة البطالة أو حالات الحروب والأزمات الكبرى. ومع طول مدة الأزمة يتحول انعدام الأمن الغذائي إلى حالة مزمنة. قد تضطر معها العائلات لبيع أصولها للبقاء على قيد الحياة.
في تقرير للأمم المتحدة صادر عام 2019م. حول حالة الأمن الغذائي في العالم وعلاقتها بالنمو الاقتصادي. أكّد على تصاعد الجوع في العالم ليصل إلى حوالي 821.6 مليون شخص. بما يعادل 25% من سكان العالم أغلبهم في إفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وجنوب آسيا.
في الواقع يتزايد الجوع في الدول التي تواجه نمواً اقتصادياً بطيئاً أو متراجعاً. فغالباً ما تؤدي فترات الركود إلى ارتفاع معدلات البطالة التي تؤدي بدورها لمضاعفة الأزمة. وهو ما يشي بفشل العالم في تحقيق أي تقدم في تحقيق أهداف التغذية لمنظمة الصحة العالمية بحلول عام 2025. أو أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.
أبرز الأمثلة، وأحدثها ما حدث من تداعيات جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) والتي أدت إلى زيادة كبيرة في مستوى انعدام الأمن الغذائي في البلدان الأشد فقرًا، وهو ما قرّر معه البنك الدولي إقراض تلك الدول لمواجهة مخاطر الأزمة المتمثلة في زيادة عدد الأطفال الذين يعانون صحياً ومن ثم ضعف الإنتاجية بالمستقبل.
من المخاطر أيضًا التي تؤدي لحالة انعدام الأمن الغذائي، مشاكل البيئة، والتغيرات المناخية التي تؤثر على المحاصيل الزراعية بشكل سلبيّ، سواء من حيث قلة جودة المخرجات الزراعية أو من حيث قلة الإنتاجية نفسها، وفي كلتا الحالتين، فسوف ترتفع أسعار السلع الغذائية، وينهار الأمن الغذائي.
في النهاية من المهم التأكيد على ضرورة تضمين الموازنة العامة للدولة الاستثمارات التي تحقق الأمن الغذائي. لا سيما في الدول التي تواجه قيوداً على الميزانية وعقبات أمام التنمية. وهو ما يلعب دوراً رئيسياً في تحقيق نموّ اقتصاديّ طويل الأجل ومستدام. حتى في ظل قيود الميزانية الصارمة.