في ظل تصاعد التوترات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي تتصاعد ردات الفعل من كلا الطرفين. وكان آخرها انسحاب روسيا من مجلس أوروبا. وجاء الانسحاب الروسي بعد نية دول المجلس طرد موسكو. لذلك سارعت بالانسحاب في خطوة استباقية. وعموماً تعد هذه الخطوة ذات تأثير رمزي أكثر من أن تكون ذات تأثير حقيقي وملموس على مجريات الأحدث السياسية والاقتصادية والعسكرية بين الطرفين. والسؤال هنا: ما دلالات انسحاب روسيا من مجلس أوروبا؟
تأسس مجلس أوروبا في عام 1949م لتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ويضم 46 دولة. وانضمت روسيا إليه عام 1996م. ويتألف المجلس من عدة هيئات. بما في ذلك لجنة الوزراء وهي الهيئة الرئيسية لصنع القرار وتتألف من وزراء خارجية الدول الأعضاء. وتضم الجمعية البرلمانية مشرّعين من كل دولة بمعدل عضو واحد لكل دولة. بالإضافة إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والتي تفرض الامتثال للاتفاقية وتحاكم من يخالفها.
يعد انسحاب روسيا من مجلس أوروبا قضية رمزية. لكنه في ذات الوقت يحمل بعض التبعات. فعلى الرغم من أن أغلب الاتفاقيات التي انسحبت منها روسيا تتعلق بالتعاون في مجالات الأمن وحقوق الإنسان. إضافة إلى حماية البيئة من الكوارث الطبيعية والتكنولوجية والإنتاج الثقافي والسينمائي المشترك. وهو ما لا يؤثر على موسكو بشكل ملموس. إلا أنه يغلق الباب أمام أي مساءلة حقوقية لروسيا عن الانتهاكات في أوكرانيا. ويشكل أيضاً إشارة واضحة إلى رغبة روسيا في قطع كافة جسور التواصل مع أوروبا. إضافة لخسارة المجلس مساهمة روسيا في تمويله إذ تقدر مساهمتها بـ 35 مليون يورو سنوياً.
في مارس الماضي أمرت المحكمة الأوروبية بوقف الهجمات الروسية على المناطق السكنية والمدارس والمستشفيات. ولكن موسكو تجاهلت هذا القرار وقررت الانسحاب من المجلس. وهذا يعني أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لا يمكنها الطعن في أي انتهاكات روسية للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وهذا ما يقوّض من فرص المواطنين الروس والأوكرانيين لتقديم شكاوى بشأن حقوق الإنسان ضد حكومة بوتين. حيث يجوز للأفراد والجماعات والحكومات تقديم شكاوى ضد أعضاء مجلس أوروبا. وللمحكمة السلطة – وغالباً ما تمارسها – أن تأمر بتعويض مالي للضحايا. وغالبًا ما تكون أحكام المحكمة ملزمة ويتم تنفيذها من قبل لجنة الوزراء بالمجلس. وعلى الرغم من أن موسكو تحاول غالباً التهرب من قرارات المحكمة إلا أنها في مرات عديدة عوّضت بعض الضحايا مالياً. كما حدث إبّان غزو شبه جزيرة القرم.
على الرغم من رمزية الانسحاب الروسي إلا أنه مؤشر مهم على تصاعد التوترات الروسية الأوروبية. ويشي بأنه في المدى المنظور من المستبعَد حدوث أي اختراقات في حال الأزمة. ومن المتوقع أن تشهد العلاقات تصعيداً مستمراً في الفترات القادمة.