في مسعى غربي جديد لتضييق الحصار الاقتصادي على روسيا أعلنت مجموعة السبع حظر واردات الذهب الروسي. وذلك بهدف تقليل الواردات المالية لموسكو. خاصة أن حزم العقوبات السابقة لم تنجح حتى الآن في تحقيق أهدافها. وهذا ما قد يقود الاقتصاد الروسي والعالمي لتبعات جديدة تضاف للتبعات السابقة للعقوبات الغربية على روسيا. والسؤال هنا: ما آثار قرار حظر الذهب الروسي على اقتصاد روسيا والاقتصاد العالمي؟
تعد روسيا ثاني أكبر دولة في العالم في إنتاج الذهب بعد الصين. وقدرت صادراتها من الذهب بقيمة 17.3 مليار دولار في عام 2021م. وتستحوذ روسيا على 9.2% من صادرات الذهب العالمية. مما يجعلها من أهم المصادر له. وازدادت أهمية الذهب بالنسبة لروسيا بعد فرض العقوبات الغربية السابقة. وعلى رأسها تجميد الحسابات الروسية في البنوك الدولية. لذلك سعت موسكو لاستبدال الدولار في تعاملاتها الخارجية بالذهب أو بالروبل. وهذا ما يفسّر سعي الغرب لسحب هذه الورقة من يد روسيا.
يهدف القرار الغربي للضغط المالي على موسكو من خلال تجفيف منابع إيراداتها. وبالتالي فرض عقبات أمامها في تمويل العملية العسكرية في أوكرانيا. ولكن فاعلية هذا القرار تعد منخفضة. ويمكن وصفه بشكل نسبي على أنه رمزي. ففي الظروف الاقتصادية والسياسية الدولية الحالية بإمكان موسكو الالتفاف على القرار من خلال إيجاد أسواق موازية لبيع الذهب كما حدث مع النفط. وهذه السياسة تلجأ إليها غالبية الدول التي تخضع لعقوبات غربية. فإيران على سبيل المثال وبعد حظر شراء نفطها قامت ببيع نفطها في أسواق موازية غير رسمية ولكن مقابل أسعار منخفضة نسبياً. وهناك أيضاً خسائر روسية غير مباشرة. ومنها على سبيل المثال إيقاف عمل 6 مصافٍ للذهب في روسيا.
من المتوقع أن تتمكن روسيا من بيع ذهبها بسهولة نسبية نتيجة وجود أسواق كبيرة. ونتيجة ارتفاع الطلب على الذهب. فالهند والإمارات العربية المتحدة من المتوقع أن تكون أسواقاً بديلة للذهب الروسي. لكن بالتأكيد فإن سعر المبيع سيكون أقل من الأسعار العالمية. كونه يتم من خلال الأسعار الموازية. ومن المتوقع أن تكون أسعار المبيع أقل بـ 35% من الأسعار العالمية. وهذا يشكل خسارة 35% من العوائد الروسية. لكن من الممكن أن تعوّض موسكو خسائرها في حال ارتفاع أسعار الذهب العالمية. وإن كان هذا الأمر مستبعداً حالياً نتيجة ارتفاع سعر الفائدة الأمريكية.
لا شك أن آثار هذا القرار على الاقتصاد العالمي ترتبط بسوق الذهب. ومن غير المتوقع أن يسبب القرار ارتفاعاً حاداً في سعر أونصة الذهب. وذلك لكون الإمدادات الروسية من الذهب لن تشهد تراجعاً واضحاً نتيجة وجود أسواق بديلة موازية. فالمعروض من الذهب لن يتأثر بشكل حاد. ولكن قد يشهد سعر الذهب ارتفاعاً بسيطاً نتيجة التأثير النفسي للقرار. وهذا ما لُوحِظ من خلال ارتفاع سعر أونصة الذهب من 1785 دولاراً إلى 1810 دولارات وذلك في ختام تداولات الأسبوع الفائت.
من المتوقع أن ينعكس القرار بشكل إيجابي على بعض الدول كالهند والإمارات العربية المتحدة. ويُتوقع أن تتمكن هاتان الدولتان من شراء الذهب الروسي بأسعار مخفضة. فالهند تعد من أكبر المشترين للذهب في العالم. كما أن تجارة الذهب في دولة الإمارات تشهد ازدهاراً واضحاً. ولذا فالقرار سيمكّن هاتين الدولتين من تعزيز أرباحهما وذلك لكونهما ستحصلان على الذهب بأسعار مخفضة قد تصل إلى 35%.
في النهاية يمكن وصف القرار الغربي بأنه قرار رمزي. فآثاره الاقتصادية لا ترقى لأن تكون عامل ضغط مالي واقتصادي على موسكو. فهو يهدف لمنع روسيا من الوصول للأسواق بشكل شرعي. ودفعها باتجاه الأسواق الموازية.