خسائر-فادحة-لليرة-السورية-في-2020-ما-توقعات-العام-الجديد
شَهِدَت اللّيرةُ السُّوريّةُ خِلالَ سَنَواتِ الأَزْمةِ السُّوريّةِ تَراجُعًا مُسْتَمِرًّا، إِلّا أَنَّهُ كانَ تَراجُعًا بَطيئًا نِسْبيًّا، فَمع بِدايةِ الأَزْمةِ كانَ الدُّولارُ يُساوي 47 ليرةً، وارْتَفَعَ حَتَّى بِدايةِ عامِ 2020م إلى 900 ليرةٍ، إِلّا أَنَّهُ وفي العامِ الحاليِّ فَقَدَتْ 300% من قيمَتِها لِتَبْلُغَ عَتَبةَ 3000 ليرةٍ لِلدُّولارِ الواحِدِ، فَما هي أَسْبابُ هذا التَّراجُعِ الحادِّ.
تَتَعَدَّدُ الأَسْبابُ المُؤَدّيةُ لِتَراجُعِ اللّيرةِ السُّوريّةِ، مْها أَسْبابٌ ذاتيّةٌ داخِليّةٌ وأُخْرَى مَوْضُوعيّةٌ خارِجيّةٌ، من الأَسْبابِ الدّاخِليّةِ زيادةُ نَفَقاتِ حُكُومةِ النِّظامِ مُقابِلَ ثَباتِ إيراداتِها، فمع ازْديادِ رُقْعةِ المَناطِقِ الخاضِعةِ لِسَيْطَرةِ النِّظامِ ازْدادَتْ نَفَقاتُهُ من ناحيةِ تَوْفيرِ المَحْرُوقاتِ والخُبْزِ والغازِ وغَيْرِها، مُقابِلَ ثَباتِ إيراداتِهِ مِمّا زادَ من الضَّغْطِ على اللّيرةِ السُّوريّةِ.
ومن الأَسْبابِ الذّاتيّةِ أَيْضًا ارْتِفاعُ حِدّةِ الفَسادِ في حُكُومةِ النِّظامِ، وما نَتَجَ عَنْهُ من تَدَنّي المُتَحَصِّلاتِ الضَّريبيّةِ وتَهْريبِ الدُّولارِ المَوْجُودِ إلى الخارِجِ، الأَمْرُ الَّذي أَدَّى لِزيادةِ الضَّغْطِ على اللّيرةِ، كَما أَنَّ غالِبيّةَ السُّوريّينَ بَدَءُوا بِتَحْويلِ مُدَّخَراتِهِم إلى الدُّولارِ خَوْفًا من انْهيارِ اللّيرةِ مِمّا زادَ من عَرْضِ اللّيرةِ وزادَ من الطَّلَبِ على الدُّولارِ وبِالتّالي شَكَّلَ عامِلَ ضَغْطٍ مُزْدَوِجٍ على اللّيرةِ.
تَشَكُّلُ الأَسْبابُ الخارِجيّةُ العامِلَ الأَهَمَّ في تَدَهْوُرِ اللّيرةِ السُّوريّةِ، ولَعَلَّ أَهَمَّ هذه الأَسْبابِ الأَزْمةُ الاقْتِصاديّةُ اللُّبْنانيّةُ، فلُبْنانُ لَعِبَ خِلالَ الأَزْمةِ السُّوريّةِ الرِّئةَ الاقْتِصاديّةَ للنِّظامِ السُّوريِّ، فَأَزْمةُ لُبْنانَ عَطَّلَت هذه الرِّئةَ وشَكَّلَت عامِلَ ضَغْطٍ على الاقْتِصادِ السُّوريِّ لا سيَّما أَنَّهُ تَرَشَّحَت أَنْباءٌ عن تَهْريبِ الدُّولارِ من مَناطِقِ سَيْطَرةِ النِّظامِ إلى لُبْنانَ.
أَدَّت الأَزْمةُ اللُّبْنانيّةُ إلى أَزْمةٍ مَصْرِفيّةٍ، ويَدَّعي النِّظامُ السُّوريُّ تَجْميدَ مِلْياراتِ الدُّولاراتِ لِلسُّوريّينَ في المَصارِفِ اللُّبْنانيّةِ، والَّتي قَدَّرَها النِّظامُ بين 20–40 مِلْيارَ دُولارٍ، والَّتي شَكَّلَت صَدْمةً لاقْتِصادِ النِّظامِ، وبالتّالي انْخَفَضَ عَرْضُ الدُّولارِ في اقْتِصادِ النِّظامِ وارْتَفَعَت قيمَتُهُ أَمامَ اللّيرةِ.
يُشَكِّلُ قانُونُ قَيْصَرَ عامِلًا ضاغِطًا على اللّيرةِ السُّوريّةِ، فالعُقُوباتُ الأَمْريكيّةُ أَدَّت لِحِصارٍ خانِقٍ لاقْتِصادِ النِّظامِ، مِمّا صَعَّبَ من عَمَليّةِ إِمْدادِهِ بالمَوارِدِ من قِبَلِ حُلَفائِهِ، فالعُقُوباتُ المَصْرِفيّةُ صَعَّبَت من إِمْكانيّةِ تَنْفيذِ خُطُوطِ الائْتِمانِ بين النِّظامِ وحُلَفائِهِ، كَما صَعَّبَت العُقُوباتُ الجَديدةُ من إِمْكانيّةِ مَدِّهِ بِالمَوارِدِ.
أَدَّتْ أَزْمةُ كُورُونا والإِغْلاقُ الاقْتِصاديُّ لِتَراجُعِ اقْتِصادِ حُلَفاءِ النِّظامِ، مِمّا أَدَّى لِتَراجُعِ الدَّعْمِ المُقَدَّمِ لَهُ، لا سيَّما عُمُلاتُ إيرانَ ورُوسْيا لَيْسَت بِأَفْضَلِ أَحْوالِها مِمّا انْعَكَسَ سَلْبًا على اللّيرةِ السُّوريّةِ، كَما أَنَّ العُقُوباتِ الأَمْريكيّةَ على إيران أَضْعَفَت من الدَّوْرِ الإيرانيِّ في دَعْمِ اقْتِصادِ النِّظامِ وبِالتّالي اللّيرةُ السُّوريّةُ.
تَشَكُّلُ العُقُوباتُ الأَمْريكيّةُ الجَديدةُ على أَشْخاصٍ سُوريّينَ طَبيعيّينَ واعْتِباريّينَ عامِلًا ضاغِطًا جَديدًا على اللّيرةِ السُّوريّةِ، لا سيَّما العُقُوباتُ على المَصْرِفِ المَرْكَزيِّ، فَهذه العُقُوباتُ سَتُحاصِرُ أَيَّ إيراداتٍ مُحْتَمَلةٍ لاقْتِصادِ النِّظامِ.
من المُتَوَقَّعِ أَن يَزْدادَ التَّدَهْوُرُ في اللّيرةِ في العامِ القادِمِ، لا سيَّما أَنَّ العُقُوباتِ الأَخيرةَ لَم يَظْهَرْ تَأْثيرُها حَتَّى الآنَ بِشَكْلٍ واضِحٍ، لِذلك من المُتَوَقَّعِ اسْتِمْرارُ التَّدَهْوُرِ وبُلُوغُهُ مُسْتَوَياتٍ قياسيّةً جَديدةً، وهُنا من الجَديرِ بِالذِّكْرِ أَنَّ أَزْمةَ اللّيرةِ جُزْءٌ منها سياسيٌّ، لِذلك فَأَيُّ انْفِراجٍ سياسيٍّ من شَأْنِهِ الانْعِكاسُ إيجابًا على اللّيرةِ، إِلّا أَنَّ هذا الأَمْرَ مُسْتَبْعَدٌ في المَدَى المَنْظُورِ.