أعلنت موسكو مؤخراً عن تعليق مشاركتها في اتفاقية تصدير الحبوب. والتي تم إبرامها سابقاً برعاية أممية وتركية. والقرار الروسي قد يسفر عن توقف الصادرات الأوكرانية والروسية من الحبوب. وهو ما ينذر بتفاقم أزمة الغذاء العالمية. إضافة لكونه مؤشراً على عدم حصول أي تقدم في محاولات إيجاد حل للحرب.
جاء القرار -وفقاً للرواية الروسية- رداً على استهداف أوكرانيا مدعومةً من بريطانيا لسفن عسكرية ومدنية في المنطقة الآمنة المخصصة لنقل الحبوب. وهو ما نفته كل من أوكرانيا وبريطانيا. وفي ذات الوقت ادعت موسكو أن غالبية الحبوب الأوكرانية تنتهي في أوروبا. وليس لدى الدول الفقيرة. وهو ما تنفيه أوروبا وأوكرانيا.
يأتي القرار الروسي بعد سلسلة من الإخفاقات العسكرية الروسية في الشرق الأوكراني. فإيقاف تصدير الحبوب يشكل أداةً من أدوات الضغط على أوكرانيا وعلى المجتمع الدولي أيضاً. إلا أن تعليق العمل بالاتفاقية قد يسبب توتراً بين موسكو وبعض الدول الأخرى لا سيما تركيا إحدى رعاة الاتفاق.
من المتوقع أن يؤثر القرار بشكل مباشر على الأمن الغذائي العالمي. خاصةً أن عدد الجوعى على مستوى العالم وصل إلى 828 مليونًا في عام 2021م. في أعلى مستوى له منذ عام 2014م. وهو الأمر الذي تستغله روسيا كسلاح مؤثر في حربها الأخيرة.
من جهة أخرى تحصل دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط على 50% من واردات الحبوب من أوكرانيا. بينما تستورد البلدان الإفريقية 18% من حبوبها من أوكرانيا. وهو ما يعني خسارة تلك الدول لنسبة كبيرة من حاجتها للغذاء. ما يؤدي لارتفاع عالمي في أسعار الغذاء والمدخلات اللازمة للإنتاج الزراعي من أسمدة وطاقة.
من المتوقع أن تتصاعد التهديدات التي تواجه الأمن الغذائي العالمي بعد القرار الروسي. لا سيما أن العديد من الدول فرضت قيوداً على تصدير الحبوب خوفاً على أمنها الغذائي. فبعد بدء الحرب ارتفع عدد هذه الدول من 3 إلى 16 دولة. ومن المتوقع ارتفاع هذا العدد في ظل القرار الروسي. وهو ما يزيد المخاطر المرتبطة بالأمن الغذائي لا سيما في الدول الفقيرة.
يهدد القرار بزيادة عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في 2022- 2023م بنسبة 7.6%. حيث بلغ العدد في مايو الماضي 276 مليون شخص. علاوةً على ذلك يقدر برنامج الغذاء العالمي أن 45% من السكان يشعرون بالقلق بشأن إيجاد الطعام. وتشمل قائمة الدول الأكثر تضررًا الأردن اليمن لبنان وعدد من الدول الإفريقية. مع تأثير خاص على أفقر الدول اليمن والصومال.
كما أنه من المتوقع أن يؤدي القرار إلى ارتفاع أسعار الإنتاج المحلي. بسبب زيادة تكلفة الأسمدة والطاقة وبدرجة أقل البذور والمبيدات. بالإضافة إلى أن المزارعين في البلدان الأكثر فقرًا قد تخفّض إنتاجها الغذائي بسبب عدم قدرتها على تحمّل تكاليف الأسمدة والمدخلات الأخرى.
يظهر تأثير القرار من خلال عدد سفن الشحن التي توقفت بشكل فوري عقب القرار. فالقرار سبب توقف 218 سفينة بشكل فوري. بينهم 95 سفينة غادرت بالفعل الموانئ. وكانت تنتظر في موقع التفتيش قبل التفريغ. و101 في انتظار التفتيش قبل تحميل الحبوب الأوكرانية. و 22 أخرى تم تحميلها وجاهزة للإبحار.
تشترط موسكو قبل العودة لاتفاق تصدير الحبوب أن يتم كشف ملابسات الهجوم الذي تعرضت له قواتها. ويبدو هذا الشرط بمثابة تعقيد لأي حل ممكن. وهنا تسعى الأمم المتحدة لإقناع موسكو بالعودة عن القرار. كما أن لتركيا دوراً مهماً في إقناع موسكو. لا سيما في ظل العلاقات الجيدة نسبياً بين الدولتين.
من جهة أخرى أعلنت موسكو عن نيتها تصدير 500 ألف طن من الحبوب مباشرةً إلى الدول الفقيرة في المستقبل القريب. وهو ما يعد محاولة للحفاظ على العلاقات المتوترة مع الدول الفقيرة المتأثرة بالقرار. بعد أن وصل حجم التصدير خلال فترة الاتفاقية إلى 9 ملايين طن.
في النهاية يشكل تعليق المشاركة الروسية في الاتفاقية دليلاً على استمرار التوتر بين موسكو والغرب. كما يشي بأن فرص حل النزاع ما زالت ضئيلة. وهو ما يمثل تهديداً مباشراً بتصاعد الصراع وتوسع رقعته وزيادة عدد المتضررين منه على مستوى العالم أجمع.