في ظل العملية العسكرية التركية ضد ميليشيا “قسد” يظهر الاستهداف التركي للموارد الاقتصادي كأحد المتغيرات الجديدة في الاستراتيجية العسكرية التركية. فغالباً ما كان يتم استهداف المواقع العسكرية. أما الآن فيتم التركيز على الموارد الاقتصادية لا سيما محطات إنتاج النفط والغاز. وهو ما يعد تغيراً واضحاً في الاستراتيجية العسكرية التركية.
في الحقيقة يعد الاقتصاد عصب الحكم سواء بالنسبة للدول أو الميلشيات. فالعديد من الأنظمة سقطت وأحزاب خسرت انتخابات بسبب تراجع المؤشرات الاقتصادية. وهذا ما ينسحب على “قسد”. فالاستقرار النسبي الذي تشهده مناطق سيطرتها يعود في جزء كبير منه للموارد الاقتصادية. فهي تسيطر على جزء كبير من موارد الدولة السورية بما لا يتناسب مع ثقلها الجغرافي والديمغرافي.
عموماً وفيما يتعلق بالوضع الاقتصادي في مناطق سيطرة “قسد” فالمؤشرات ليست جيدة. والفقر في مستويات تتجاوز 90%. والموارد شحيحة نسبياً. فإنتاج النفط الذي يتجاوز 100 ألف برميل يومياً يتم بيع غالبيته لحكومة النظام بأسعار مخفضة. نتيجة عدم قدرة “قسد” على تسويقه دولياً.
وتسعى “قسد” لضبط الاستقرار من خلال الإنفاق. سواء على المستوى العسكري أو الاجتماعي أو السياسي. فهي تسعى لتسويق نفسها إقليمياً ودولياً على أنها مكوّن سوري وليس كردياً. وذلك من خلال وجود عناصر عربية في قواتها. وهؤلاء يتم إغراؤهم بالأجور لضمان ولائهم. لذلك فتراجع الإيرادات يعني تراجع الأجور وبالتالي خسارة ولاء جزء من القوات. وهو ما ينعكس سلباً على الاستقرار العسكري.
كما أن الاستقرار الاجتماعي الهش في مناطق قسد يتم تعزيزه من خلال الإنفاق العام على بعض المرافق. وتراجع الإيرادات يعني بدوره تراجع الإنفاق. وبالتالي احتمالية ظهور اضطرابات اجتماعية. قد يكون لها إسقاطات سياسية. لا سيما أن التركيبة الاجتماعية العشائرية في المنطقة لا تستسيغ وجود حكم ذي صبغة كردية.
في الواقع تسعى تركيا من خلال استهدافها للموارد الاقتصادية لـ “قسد” إلى ضرب العمق الاستراتيجي لها. عوضاً عن استهدافها عسكرياً. وهذا قد يوفر على تركيا عملية عسكرية مرتقبة. لا سيما أن الضربات العسكرية قد عطلت العديد من المحطات والمرافق. وستتحول قسد من الاكتفاء الذاتي من المحروقات لا سيما الغاز المنزلي إلى الاستيراد. وهو ما قد يشكل صدمةً اقتصاديةً لها.
في النهاية إن الاستهداف التركي للمرافق النفطية يعني ضرب مرتكزات استقرار “قسد”. كما يعني تغييراً في التعامل العسكري مع التهديدات التي تواجه تركيا. فعقب كل عملية عسكرية تركية تقوم “قسد” بترميم قواتها استناداً على مواردها الاقتصادية. لذلك فضرب الموارد الاقتصادية سيعني شللاً نسبياً لها. وبالتالي تعجز عن ترميم قواتها العسكرية ما يعني دفع سكان المنطقة للخروج عليها.