تمثل المحادثات الأخيرة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية في قطر نقطة تحول كبيرة في السياسة الخارجية الأمريكية. فبعد أن حاربت واشنطن الحركة وحليفتها تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن طيلة 20 عاماً في كهوف وجبال تورا بورا. عادت اليوم لتجلس معهم. لتناقش مستقبل أفغانستان.
فماذا تطلب طالبان من الولايات المتحدة؟ وماذا يطلب الأمريكان من الحركة الإسلامية؟ وما سبب الخلاف بينهما؟ وأين يلتقي الطرفان؟ وما المصالح المشتركة بينهما؟
في الحقيقة تسعى الولايات المتحدة إلى استعادة صورتها كراعٍ لحقوق الإنسان في العالم. من خلال مناقشة قضايا حقوق الإنسان والمرأة في أفغانستان. والتي تأثرت بشدة عقب سيطرة حركة طالبان. والتي يمكن مع تنازل الحركة عن بعض مواقفها المتشددة في تلك القضايا أن تعيد “بناء الثقة” بينها وبين واشنطن.
من جهة أخرى تهدف الولايات المتحدة أيضاً من خلال اللقاء إلى تحرير مواطنيها المحتجزين في أفغانستان. كما تريد الولايات المتحدة إلغاء الحظر المفروض على التعليم الثانوي للفتيات وتوظيف النساء.
كما تسعى واشنطن من خلال تلك المحادثات لضمان التزام طالبان بعدم السماح باستخدام أفغانستان كمنصة لشن هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها. وهي نقطة مهمة للولايات المتحدة. حيث تعد أفغانستان ورقة لعب غير محروقة بين روسيا والغرب. ونقطة فراغ لم يستخدمها أحد. وهو ما تسعى واشنطن لشغله الآن.
بالطبع المحادثات بين طالبان والولايات المتحدة تبدو فرصة سانحة للأولى لتحقيق أهدافها المؤجلة منذ عودتها للسلطة في أغسطس 2021م. فأولى أهدافها: إضفاء الشرعية على طالبان. في وقت لم تعترف فيه أي حكومة بالعالم بحركة طالبان. رغم أنها حكومة الأمر الواقع.
ثاني أهداف طالبان: رفع قيود السفر عن قادتها. وثالثها: رفع تجميد الأصول الأفغانية. حيث جمدت الولايات المتحدة 10 مليارات دولار من أصول البنك المركزي الموجودة في بنوكها عام 2021م. والتي حولت منهم 7 مليارات دولار لصندوق استئماني في سويسرا لاستخدامها حصراً في الجهود الإنسانية بالبلاد.
كما تسعى طالبان إلى رفع العقوبات المفروضة على القطاع المالي والمصرفي على البلاد. ومن ثم تحقيق المزيد من النجاحات الاقتصادية. بعد أن أشارت البيانات الأخيرة إلى تراجع التضخم ونمو الصادرات والواردات السلعية في أفغانستان في عام 2023م.
رابع أهداف حركة طالبان: رفع اسم أكثر من عشرة من قادتها الرئيسين من القائمة الأمريكية لأهم المطلوبين الأمنيين في العالم. والتي ترصد المخابرات الأمريكية ملايين الدولارات من أجل حصد رؤوسهم. نظراً لأدوارهم في توجيه الهجمات ضد القوات الأمريكية.
في الواقع يلتقى الطرفان الأمريكي والأفغاني عند مشروع خط غاز TAPI الذي يمر عبر الأراضي الأفغانية. وتسعى كابول لاستئنافه بعد توقفه بسبب المخاوف الأمنية من استهدافه.
يبدأ خط الغاز TAPI من حقل غاز دولت آباد في تركمنستان. وينتهي في مدينة فزليكا بالهند. مروراً بأفغانستان وباكستان. بطول 1271 كيلو متراً. ويمتلك هذا المشروع كونسورتيوم مكون من 6 شركات. أبرزهم شركة Unocal الأمريكية التي تمتلك 54% من الخط.
استئناف هذا المشروع من شأنه أن يسمح بتدشين مشروعات أخرى. مثل إنشاء خطوط نقل الكهرباء ذات الجهد العالي في تركمانستان وأفغانستان وباكستان. والسكك الحديدية من تركمانستان إلى أفغانستان. وكلها مشروعات بحاجة لتطمينات أمنية من الشرطي الأمريكي.
مما لا شك فيه أن الطرفين الأمريكي والأفغاني بحاجة لاستئناف هذا المشروع. فالمشروع يعد أكبر مشروع إنمائي في أفغانستان. حيث يمكن أن تصل عائدات العبور إلى 300 مليون دولار أمريكي سنوياً. وهو ما يساعد في دفع تكاليف المعلمين والبنية التحتية.
من ناحية أخرى تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أهمية موارد الطاقة في آسيا الوسطى. والإمكانيات الاقتصادية التي توفرها بالأسواق العالمية. وفي المنطقة نفسها في ظل أزمة الغاز العالمية. حيث تعد تركمنستان رابع أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم بنحو 19,5 تريليون متر مكعب. ما يعادل 10% من الإجمالي العالمي.
علاوةً على ذلك فهناك أرضية اعتمد عليها الأمريكان في رحلتهم التفاوضية مع طالبان. وهي المكاسب الاقتصادية النسبية التي تحققت. ونجاح الحركة في مكافحة زراعة المخدرات. بعد قرارها العام الماضي بحظر زراعة الخشخاش. والذي أدى لانخفاض المحصول بشكل كبير خلال الموسم الأخير.