يُعد قطاع العقارات من أهم القطاعات الاقتصادية في أي دولة، لأنه يتطلب رؤوس أموال ضخمة، ويشغل آلاف الأيدي العاملة، كما أنه مرتبط بعدد كبير من الصناعات والخدمات. لهذا يقال إن العقارات مرآة الاقتصاد؛ عندما ينتعش هذا القطاع تنشط معه قطاعات متعددة كالإسمنت، والحديد، والنجارة، والنقل، والتأمين، والبنوك.
في سوريا، يعد القطاع العقاري على رأس أولويات إعادة الإعمار، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، بل أيضاً من الناحية الاجتماعية والإنسانية. لأنه ومع وجود أكثر من 2.9 مليون منزل مهدّم، لا بد من إيجاد حل سكني عاجل يضمن معالجة قضية اللجوء والنزوح، وينهي معاناة التهجير والمخيمات.
تكلفة هائلة… وفرصة استثمارية كبرى
بحسب التقديرات، تكلفة إعادة تأهيل البنية العقارية في سوريا تتجاوز 110 مليارات دولار. هذا الرقم يكشف حجم الدمار، لكنه في ذات الوقت يشير إلى فرصة استثمارية ضخمة أمام شركات التطوير العقاري المحلية والدولية. لأن الطلب على المساكن والبنية التحتية سيكون كبيراً، خاصة في المدن التي تعرضت لأكبر نسبة من الدمار. لكن رغم حجم هذه الفرص، فإن الشركات في الوقت الراهن غير متشجعة للدخول إلى السوق السورية.
عوائق تمنع الانطلاق الفعلي
أولى عوائق الاستثمار العقاري هي الحالة الأمنية. وعلى الرغم من أن مستوى الأمن تحسن بدرجة جيدة، إلا أنه لا يزال غير كافٍ لطمأنة المستثمرين. الشركات لا تدخل سوقاً غير مستقرة، لأنها تخاطر برؤوس أموال ضخمة. العامل الثاني يتعلق بغياب المخططات التنظيمية الحديثة للمدن، عملية إعادة الإعمار لا تعني فقط إعادة بناء ما تهدم، بل وضع رؤية تنظيمية جديدة، وهذا يتطلب وقتاً وجهداً ومخططات مدروسة.
أما ثالث العوائق فهو غياب البيئة الاستثمارية الجاذبة، بدءاً من القوانين والتشريعات، وصولاً إلى غياب الحوافز الضريبية والتمويل البنكي، في ظل أزمة سيولة تعاني منها البنوك السورية حالياً. يضاف إلى ذلك ضعف البنية التحتية كالطرقات والموانئ، التي تعد ضرورية لنقل واستيراد مواد البناء، مما يعرقل حركة العمل والتوريد.
رابع العوامل التي تحد من انطلاقة القطاع العقاري هو الطلب المنخفض على السكن بسبب ضعف الدخل. متوسط دخل الموظف السوري لا يتجاوز 30 دولاراً شهرياً، وهو دخل لا يكفي أساسيات المعيشة، وبالتالي فإن القدرة الشرائية للمواطن شبه معدومة. في ظل هذا الواقع، يصعب الحديث عن سوق عقارية نشطة أو عن قدرة المواطنين على شراء أو حتى استئجار منازل جديدة. وهذا الواقع الاقتصادي يجعل من الاستثمار العقاري غير مجدٍ حالياً بالنسبة للشركات، التي تبحث بطبيعتها عن أرباح مؤكدة وسريعة.
عقبات أمام الأفراد وإشكالات قانونية
حتى بالنسبة للأفراد الذين يرغبون في ترميم منازلهم المدمرة، فإن العقبات القانونية تقف في طريقهم. إحدى أبرز المشكلات هي إثبات الملكية، خصوصاً للنازحين واللاجئين، الذين فقدوا أوراقهم الثبوتية أو تمت مصادرتها، أو أولئك الذين استولى النظام البائد على أملاكهم بقرارات تعسفية أو عبر تزوير مستندات الملكية. هذه القضايا تحتاج إلى معالجة قانونية عادلة تضمن حقوق المواطنين، وتوفر بيئة شفافة لإعادة الإعمار.
الواقع الحالي لا يشجع على انطلاقة فاعلة في قطاع التطوير العقاري في سوريا، لا على مستوى الشركات ولا الأفراد. فالمشاكل تتوزع بين غياب الأمن الكامل، والبيئة الاستثمارية الضعيفة، وغياب المخططات التنظيمية، إضافة إلى العقبات الاقتصادية والقانونية. لكن في المقابل، يظل هذا القطاع من أهم مفاتيح الإعمار والنهوض، ويتطلب خطة وطنية شاملة، تبدأ من إصلاح البيئة القانونية والاقتصادية، وتمر بإعادة تأهيل البنية التحتية، وتنتهي بتوفير بيئة مستقرة وآمنة، تسمح بانطلاق عجلة الاستثمار والبناء من جديد.