شَارِك المَقَال

خلالَ فترةِ الاحتلالِ البريطانيِّ للهندِ، انتشرَتْ أفاعي الكوبرا في أحياءِ العاصمةِ الهنديةِ، هذا الشي سبَّبَ ذعراً للمستوطنينَ الإنجليزِ، عالجَ الإنجليزُ الأزمةَ مِنْ خلالِ منحِ مكافأةٍ ماليةٍ لكُلِّ مَنْ يقتلُ أفعى الكوبرا، وبالفعلِ بدأَ الهنودُ بصيدِ الأفاعي، وحقَّقَ القرارُ في البدايةِ بعضَ النَّجاحِ، وصارَتْ مهنةُ صيدِ الأفاعي بتجيب  دخل كبير، لهيك لجأَ بعضُ الهنودِ لتربيةِ الكوبرا في منازلِهِمْ، بهدفِ تكاثرِهَا وتقديمِهَا للإنجليزِ طمعاً في المكافأةِ، هنا انتبهَتِ السلطاتُ الإنجليزيةُ للأمرِ، وفورا ألغَتْ قرارَ المكافأةِ، والنتيجةُ أنو آلاف الهنودِ كانَ عندَهُمْ أعدادٌ كبيرةٌ منَ الأفاعي في منازلِهِمْ، وصارَتْ عديمةَ القيمةِ، فقاموا باطلاقها خارجَ المنازلِ، وانتهى الأمرُ بأنْ تغزو أفاعي الكوبرا العاصمةَ، بأعدادٍ تفوقُ بعشراتِ أضعافِ العددِ اللي كان موجوداً في بدايةِ الأزمةِ، عمليّاً الإنجليزُ هُمْ مَنْ فاقمُوا الأزمةَ مِنْ خلالِ طريقةِ علاجِهَا.

هذه الحادثةُ صارَتْ مثال عَنْ سوءِ إدارةِ الأزماتِ، وتسمَّى بتأثيرِ الكوبرا، وهذا الشي مكررٌ في العديدِ منَ الأزماتِ، على مستوى الدولِ والشَّركاتِ وحتَّى الأفرادِ. وحاليّاً وبسببِ النظامِ الاقتصاديِّ الدوليِّ الحاليِّ، أصبحت الأزماتُ الاقتصاديةُ سمةً رئيسيةً في العالَمِ، هناك شركاتٌ ودولٌ تواجهُ باستمرارٍ الأزماتِ، بعضُهَا يتمكّنُ مِنْ معالجتِهَا بنجاحٍ، والآخر يفشلُ وتزدادُ الأزمةُ، وممكنٌ أنْ تتحولَ لأزمةٍ عالميةٍ.

لكُلِّ أزمةٍ أسبابٌ ونتائجُ، والعلاجُ السليمُ لها يكونُ بالتعاملِ معَ الأسبابِ وليسَ معَ النتائجِ، وهذا الأمرُ ممكنٌ تشبيهه بعلاجِ المريضِ، الألمُ الذي يعاني منه المريضُ هوَ نتيجةٌ لمرضٍ داخليٍّ، في حالِ تمَّ إعطاءُ المريضِ مُسكِّناً للألمِ، بالفعل رح يشعرُ بالراحةِ، لكنَّها راحةٌ مُؤقتةٌ، تزولُ بانتهاءِ تأثيرِ المسكّنِ، وفي حالِ عدمِ معالجةِ السببِ الحقيقيِّ للألمِ يمكنُ أنْ يموتَ المريضُ. الأمرُ نفسه يحدثُ في الأزماتِ الاقتصاديةِ، لذلكَ لا بدَّ منَ التفرقةِ بينَ السببِ والنتيجةِ، وغالباً كلُّ ما يظهرُ مِنَ الأزمةِ هوَ نتائجُ، بينما الأسبابُ تكونُ خفيةً وتحتاجُ إلى بحثٍ وتحليلٍ.

=======

في عامِ 1929 حدثَ الكسادُ الكبيرُ، وهوَ أسوأُ أزمةٍ اقتصاديةٍ في التاريخِ، انهارَتِ الاقتصاداتُ والعملاتُ، وقتَها حاولَتْ أمريكا حلَّ الأزمةِ على طريقتِهَا، بهدفِ إنعاشِ الاقتصادِ الأمريكيِّ وحمايتِهِ، لذلك قرَّرتْ فرضَ رسومٍ جُمركيةٍ مرتفعةٍ على كلِّ الوارداتِ إلى أمريكا، بهدفِ تقليلِ الاستيرادِ وتشجيعِ الإنتاجِ الأمريكيِّ، لكنَّ هذا الحلَّ فاقمَ الأزمةَ، لأنو أوروبا ردَّتْ بالمثلِ وفرضَتْ رسوماً على المنتجاتِ الأمريكيةِ، وغالبيةُ الدولِ صارَتْ تتسابقُ برفعِ الرسومِ الجمركيةِ، والنتيجةُ كانَتْ تراجعَ التجارةِ الدوليةِ بنسبةِ 66%، وهذا الشي أدَّى إلى زيادةِ الأزمةِ في أمريكا وفي العالَمِ أجمعَ، أي أنَّ الحلَّ الأمريكيَّ بدل مِنْ أَنْ يحميَ الاقتصادَ ساهمَ في زيادةِ الأزمةِ.

في علمِ إدارةِ الأزماتِ في قانون اسمه: قانونُ الحلولِ الكبيرةِ، يعني أنَّ الأزماتِ الكبرى تحتاجُ إلى حلولٍ كبيرةٍ وإستراتيجيةٍ، والحلُّ يجبُ أن يكونَ شاملاً لكلِّ المجالاتِ، طبعاً هذا الشي مو صحيح دائماً، أحياناً بكون الحل بسيطاً جدّاً، خاصةً في بدايةِ الأزمةِ، وتكونُ تكلفتُهُ منخفضةً، مثلاً لمَّا تتعطلُ باخرةٌ كبيرةٌ، يمكن الحلُّ يكونُ في تبديلَ قطعةٍ صغيرةٍ تالفةٍ في المحرّكِ، مو ضروريّ استبدال المحرّكِ بالكاملِ، أو فكِّ الباخرةِ لقطعٍ وإعادةِ تركيبِهَا.

في عامِ 2009 سافرَ مغني أمريكيٌّ على إحدى طائراتِ شركةِ طيرانٍ بريطانيةٍ، وكانَ معَهُ غيتارٌ، خلالَ تحميلِ وحزمِ الأمتعةِ انكسرَ الغيتارُ، وطالَبَ المغنّي الشركةَ بتعويضِهِ بمبلغٍ 1,200 دولارٍ، الشركةُ رفضَتْ، طبعاً هيك مبلغ هوَ مبلغٌ بسيطٌ جدّاً بالنسبةِ لشركةِ طيرانٍ دوليةٍ، النتيجةُ أنَّ المغنيَ ألَّفَ أغنيةً عَنْ قصَّتِهِ، وانتشرَتِ الأغنيةُ في كلِّ العالَمِ، وشاهدَهَا ملايينُ الأشخاصِ، بعدَهَا ألَّفَ كتاباً عنِ القضيةِ، وعملَ عشراتِ اللقاءاتِ، وانتهى الأمرُ بخسارةِ الشركةِ 10% من قيمتِهَا السوقيَّةِ، وخسرَتْ عدداً كبيراً منَ العملاءِ، إجماليُّ الخسائرِ تجاوزَ 150 مليونَ دولارٍ. مرة أخرى سوءُ الإدارةِ هوَ اللي سبَّبَ الأزمةَ.

الأزماتُ تمرُّ بعدةِ مراحلَ، وهيَ مراحل الكمونِ والولادةِ والنموِّ والنضجِ ثمَّ الانحسارِ وأخيراً التعافي؛ مرحلةُ الكمونِ هيَ الأهمُّ، لأنَّهُ في هذِهِ المرحلةِ تكونُ الأزمةُ قد بدأَتْ بالتشكُّلِ، لكنْ ما بتكونُ مبينة أو ظاهرةً، كلُّ شيءٍ يبدو طبيعيّاً، لكنْ في الواقعِ تكونُ الأمورُ تتَّجهُ نحوَ السوءِ بدونِ ملاحظةِ أيِّ شيءٍ، لأنو عندما تظهرُ أزمةٌ ما، ما تكونُ وليدةَ اللحظةِ، ممكن تكون عم تتشكَّلُ من سنواتٍ، لهيك ملاحظة المؤشراتِ الأولى للأزمةِ هوَ الأهمُّ في حلِّهَا، لأنو في هذه الحالةِ يمكنُ حلُّهَا بدونِ وقوعِ أيِّ خسائرَ.

الأزمةُ الماليةُ العالَميةُ عامَ 2008، كانت عم تتشكلُ مِنْ عدَّةِ سنواتٍ قبل ذلك، وسببُهَا المبالغةُ في الرَّهنِ العقاريِّ، طبعاً قبلَ الأزمةِ كانَتِ المؤشراتُ جيدةً، وأداءُ الاقتصادِ جيداً، لكنْ خلالَ لحظةٍ انقلبَ كلُّ شيءٍ، طبعاً في بعضِ الخبراءِ لاحظوا من قبل أنو في مؤشرات لأزمةٍ ما قادمة، لكنْ ما احد اهتم لرأيهِم، والسبب انو المؤشراتِ الاقتصاديةَ كانَتْ جينها جيّدةً.

حتَّى بعدَ ظهورِ الأزمةِ وتطوُّرِهَا، يبقى الحلُّ ممكناً، وسياسةُ وطريقةُ الحلِّ هيَ اللي بتحدّدُ النجاحَ أَوِ الفشلَ، في شركات انهارَتْ بسبَبِ الإدارةِ السيئةِ للأزماتِ، وأخرى نجحَتْ في الخروجِ مِنْهَا.

لا توجدُ وصفاتٌ مسبقةٌ لحلِّ الأزماتِ، لكُلِّ أزمةٍ حل خاصُّ يختلف عن غيرها، وغالباً ما يكونُ الحلُّ الفعالُ بالابتعادِ عَنِ الحلولِ التقليديةِ والتفكيرِ خارجَ الصندوقِ، عموماً إدارةُ الأزماتِ هيَ علمٌ وفنٌّ في الوقتِ نفسِهِ، والمهارةُ والخبرةُ منَ الأمورِ المهمةِ لمواجهةِ أيِّ أزمةٍ.

شَارِك المَقَال



عن المقال

  • يحيى السيد عمر