كل شيء يرتفع إلا الأجور؛ الأسعار تلتهم المدخرات، والفائدة تضغط بزيادة، والناس من حقها تعرف السبب.
لو أنك اليوم تملك ألف دولار. بعد سنة من الآن، المبلغ نفسه معك، لكنَّ كمية المشتريات التي يمكن أن تشتريها تصبح أقل. لم يَسْرقك أحد ولم يخدعك، فقط القوة الشرائية تبخَّرت بهدوء. التضخم مثل لِصّ يدخل من الباب في هيئة صديق، يَمُرّ على الأسواق، يرفع الأسعار، ثم يترك جيوب الناس فارغةً.
التضخم ليس ظاهرة طبيعية تحدث وحدها، وإنما هو قرار سياسي، واختيار اقتصادي، وأداة صامتة لإعادة توزيع الثروة. والبنوك المركزية تمسك بالمفاتيح.
خلال العام الجاري، ارتفع التضخم في أوروبا، وصل في ألمانيا لأعلى مستوى، وفي تركيا عاد للارتفاع من جديد. ومع خفض الفائدة تُصبح القروض أسهل، والاستثمارات أنشط، والاقتصاد يبدو منتعشًا، وصاحب رأس المال يسبق صاحب الراتب الثابت.
كثير من الشركات تستغل الفرصة لرفع الأسعار أكثر مما يجب، وهو ما يسمى “تضخم الأرباح”؛ فالأرباح أعلى للمُنْتِج، وجودة أقل وسعر أعلى للمستهلك. وهذه فرصة لإعادة توزيع الثروة باتجاه من يملك عوامل الإنتاج.
التضخم ليس قدَرًا لازمًا ودائمًا، لكنّه نتيجة حتمية للنظام النقدي العالمي، ولا يوجد حلّ جذري له إلا بتغيير هذا النظام، وهذا الأمر غير ممكن حاليًّا؛ لأنه يعني تغيير كل شيء في العالم، حتى النظام السياسي الدولي.
المشكلة ليست في وجود التضخم، وإنما المشكلة فيمن يتحكَّم فيه، ومَن المستفيد، ومَن يدفع الثمن. طالما بقيت الأرقام المعلنة أداة سياسية أكثر منها انعكاسًا للواقع، سيعيش الملايين داخل لُعبة لا أحد يَفْهم منها شيئًا.
مرة أخرى، التضخم ليس قَدَرًا دائمًا لا انفكاك منه، وإنما هو قرار اقتصادي وسياسي. والسؤال: مَن يختار؟ ولصالح مَن؟